ليست هكذا

آراء 2019/12/02
...

د.سعد العبيدي
ما جرى في النجف الأشرف يومي السابع والعشرين والثامن والعشرين من هذا الشهر من حرق وتجاوز على الأملاك والمحرمات والقتل العمدي، مشهد لو تم النظر الى دوافع حصوله ونتائج الحصول يمكن من خلاله القول انه مشهد أو واقع لا يمت الى التظاهر بصلة، ولا علاقة لمفهوم السلميّة به من قريب أو بعيد، بل وعلى العكس من هذا يبدو للناظر وكأنّه تشويه لصورة التظاهر وحرف للمطالب التي وردت في هتافات ولافتات المتظاهرين. 
إنّ الذي جرى وفضلا عن أنه يمثل عدوانية مخزونة بالضد من الدولة في عقول البعض من الموجودين في الشارع وغير المحسوبين على المتظاهرين السلميين، فإنّه يمثل من النواحي الأخرى خسارة في عدة مجالات... خسارة للمال العام تضيف أعباءً مالية على الدولة وهي تعاني في الأصل مشاكل في الموازنة العامة، وخسارة للأملاك الخاصة التي يمكن أن يطالها الحرق المتعمّد أو الذي يأتي عرضاً لأي سبب كان، وهو كذلك خسارة للذوق وعمارة المكان فالشارع ستتغير صورته والبناء المشيد يتضرر والشارع يتضرر، والامن النفسي كذلك يتضرر، ولا مكسب منه يتحقق سوى اخراج مشاعر العداء المكبوتة، هذا اذا اسقطنا فرض وجود القصد من الحاصل، وهو فرض يصعب اسقاطه حتى الآن. 
إنّ ما جرى وما زال يجري حتى بعد الإعلان عن نية الحكومة للاستقالة، في عموم مدن ومحافظات الجنوب العراقي مرحلة خطيرة في مجرى التظاهر والاحتجاج الذي اقترب أمدها من الشهرين زمنياً، وهو مستوى من الخطورة يمكن أن يتطور سلبياً وبسرعة عالية ليطال وضع العراق كدولة اذا لم يتم تداركه مشاركة من قبل المتظاهرين من جهة والمسؤولين المحليين من الجهة المقابلة والعودة الى البداية تظاهر سلمي ومطالب واضحة تعبر الى الجهات الرسمية من خلال أشخاص معروفين يمثلون المتظاهرين بكل شرائحهم الاجتماعية وجميع اتجاهاتهم وتوجهاتهم، عندها فقط ستتكون ظروف ملائمة للحوار وتبادل الآراء وشرح الوقائع وتفسير المقاصد.  
وفي المقابل على الجهات الحكومية الأمنية المكلفة بالتعامل مع المتظاهرين أن لا تنفعل لما يحصل وان تتحمل ما يجري وتتعامل مع الشارع بحذر وميل الى التهدئة وتقليل الانفعال وتجنب استخدام العنف، لأن استخدامه سيدخل اشخاصا جددا الى دائرة العدوان والعنف المقابل، ويزيد من اشتعال النار المشتعلة التي يخشى من اتساع اشتعالها للمستوى الذي يصعب السيطرة عليه. 
إنّ اتجاهات الحرق والعنف غير المسيطر عليه مسألة خطيرة تستدعي من الجميع الالتفات اليها جدياً وتستدعي أيضاً تقديم التنازلات، فالعراق هذا البلد الجريح يستحق إتمام مشروع البناء واعادته دولة آمنة مستقرة قادرة على التفاعل والتأثير واسعاد أبنائها كما كانت من قبل وأحسن بكثير. وأخيراً فإنّ أزمة من هكذا نوع لا يمكن عسكرتها، ولا يمكن حلها بتنسيب قادة عسكريين تدرّبوا على قتال عدو في سوح معاركهم.