انحراف سلوك الأحداث يستدعي المزيد من الإجراءات الجادة

ريبورتاج 2019/12/14
...

كركوك/ نهضة علي 
 
اضطرت منار الى ترك عملها في محل البيع بسبب تصرفات احد زملائها الذي يصغرها بسنوات، لانه كثيراً ما كان يشاكسها ويتسبب لها بالاحراج اثناء العمل او يسير خلفها عند عودتها لمنزلها ويسمعها عبارات مزعجة، وكان هذا الزميل قريباً لاحد اصدقاء رب العمل وجاء به للعمل بعد تكرار رسوبه وتذمر والده من قضاء اغلب وقته خارج المنزل واختلاطه باصدقاء السوء.
 منار اكدت بان الحدث الذي جاء للعمل كان غريب الاطوار حتى انه يحرج الكثير من الزبائن بحجة المزاح، وانه تسبب لها بالكثير من المشكلات انتقاماً منها عن ردة فعلها على تصرفه السيئ، ولم تر بداً من ان تترك العمل بعد ان اخذ يقف وسط مجموعة من اصدقائه الاحداث ويبدأ بمضايقتها اثناء خروجها من المنزل على الرغم من تقديمها شكوى لصاحب المحل، ولحرصها على عدم الصدام مع اي شخص في منطقتها بدأت بالبحث عن عمل جديد وفي مكان بعيد 
عنه.
 
السلوك السلبي 
الباحثة الاجتماعية السابقة في محكمة جنوح الاحداث زاهدة مردان اكدت لـ"الصباح" ان المسؤول الاول عن سلوك الاحداث في المدارس او الشارع او المنتديات هو التربية داخل الاسرة لانها هي من تضع البذرة الاولى لنشأتهم وتوجه شخصيتهم على عدة مستويات ، وان  الكثير من الاسر تهتم بمأكل الطفل وملبسه وتنسى امراً مهماً وهو المفاهيم التي يتربى عليها والسلوك الذي يعكس شخصيته اثناء اختلاطه في المجتمع واختياره للاصدقاء، وهناك اساليب للترويض لانجاح التربية بعيداً عن الامر او الضغط او التقليل من شأن الشخص خاصة مع الاناث، فترك الطفل يلعب في الشارع منذ صغره واختلاطه بفئات مختلفة من الاعمار واكتسابه سلوكاً غير قويم، وعدم مراقبة ما يقوم به تؤدي الى السلوك السلبي، وكثيراً ما ترتكب الجرائم والسرقات من قبل الاحداث من المشردين الذين ينشؤون في اسر ركيكة الارتباط العائلي يغيب فيها دور 
الابوين. 
ومن خلال تجربتها مع الاحداث الموقوفين وعملها رصدت الباحثة الكثير من النقاط التي يغفل عنها الآباء والمختصون التربويون واهمها ان الحدث بعد ارتكاب الجريمة او العمل المخل يحتاج الى احتواء نفسي وفكري، لترك العمل الجرمي ويصبح قويماً واذا لم يطبق بالشكل الصحيح فستكون النتائج عكسية، ويعود الى الخطأ والتوسع في فعله،  لذا فان قانون رعاية الاحداث قانون تربوي يعيد الطفل الى جادة الصواب عن طريق مراقبة السلوك وفهمه وتقديم النصح وادخاله في برامج من اجل الاصلاح، فهو قانون اصلاحي تربوي على قادة المجتمع تطبيقه بشكل جدي.
 وتؤكد  الباحثة: لابد من ايجاد برامج داخل السجن تصلح الاحداث بطريقة صحيحة وعملية اسوة ببلدان اخرى، فاذا  ارتكب حدث بعمر 15 سنة جريمة بقتل زوج امه وحكم من اجلها 16 سنة يقضيها داخل السجن فلابد من اعداده للابتعاد عن الجرائم والسوء عند خروجه للمجتمع بعد اكمال مدة 
حكمه.
 
دور المؤسسات
وعن دور المؤسسة بالتأثير في السلوك اكد الباحث النفسي الدكتور عبد الكريم خليفة من اخطر الانحرافات التي تواجه المجتمعات هو انحراف الاحداث لان هؤلاء يشكلون القاعدة الاساسية لبناء المجتمع بسبب فئتهم العمرية الكبيرة، وارتباطها بالانشاء والاعداد من اجل ذلك البناء، ويفترض ان هناك جهات رسمية عائدة للدولة مسؤولة عن التخطيط لاعداد الجيل الجديد ابتداء من الاعمار الصغيرة وحتى الشباب مثل وزارة الثقافة والشرطة المجتمعية ووزارتي الشباب والتربية، تعد دراسة لظاهرة الانحرافات بين الاحداث بمختلف انواعها للتخفيف من مردوداتها السلبية قدر الامكان عن طريق وضع برنامج عمل متكامل واستقطاب هؤلاء الاحداث اثناء الاوقات الشاغرة لديهم، او من يعانون من شظف العيش والتشرد واللجوء الى التسول باقامة نشاطات وفعاليات ثقافية وفنية ورياضية وتنمية المواهب للاسهام باعادة الثقة لهم وتوجيههم نحو اصلاح انفسهم وادراك الصواب من 
الخطأ. 
واضاف خليفة: ان بعض الاماكن تكون اداة تشجيعية للانحراف مثل "الكوفي شوب" والاصدقاء عند التقائهم بمجاميع واللجوء الى الادمان والجرائم والسرقات والتسول والتسرب من المدرسة والاختلاط ببعض الفئات الاكبر عمراً ذات السلوك المنحرف والتي تؤدي الى مشكلات اجتماعية سواء على مستوى مؤسسات المجتمع او في البيت والاسرة، واغلب المؤسسات التي تضع المعالجات تستقطب النماذج الجاهزة كطلاب المدارس وتترك المتسربين وعمالة الاطفال والمشردين واطفال {الترفك لايت} ، وهو ما يؤدي الى تراكمات 
الانحراف .
واضاف خليفة: ان عوامل الضغط من قبل الابوين او استغلال الحدث لجلب المال و التوبيخ الدائم له آثاره في نزول الحدث الى الشارع والتخلق باخلاق الموجودين فيه، فيسعى لاثبات وجوده وشخصيته بين اقرانه او من يختلط معهم، فيكون متذبذب التصرفات وكثير التقليد لغيره والتظاهر بالقوة والعنجهية والعناد ويذهب نحو البحث عما يجد فيه متنفساً بعيداً عن الضغط المحيط به. 
ان مراقبة نشاطات الاولاد واحتضانهم والاهتمام بمتطلباتهم الدراسية وما يرومون تحقيقه من اهداف وتطوير مهاراتهم وتعليمهم السلوك المهذب واستقطاب الكم الهائل من الاطفال والاحداث ممن يعانون من ويلات المجتمع عن طريق وزارات الدولة وردع بعض الأسر التي تجبر اولادها على التسول، بقانون او مؤسسة ومنع تواجد الاطفال في بعض الاماكن التي تكون غير مخصصة لتواجدهم تسهم في الحد من 
الانحرافات .
 
حملات توعوية 
وللتعرف على نسب الجرائم المرتكبة من قبل الاحداث وانواعها والناتجة عن انحرافهم اكد مصدر من سجن الاحداث في كركوك لـ "الصباح" بان اغلب الجرائم التي يرتكبها الاحداث بناء على عمليات القبض هي التسول والسرقات وتعاطي المخدرات والقتل وسوء الادب، فضلاً عن جرائم  الارهاب الذي تتم احالة مرتكبها  للمحكمة بعد اكمال اجراءات التحقيق وعادة ما يكون المجرمون من الذين نشؤوا في اسرة فقدت احد الابوين او من بيئة هشة تخلو من الروابط والثقافة الوطنية والمجتمعية وتستميت من اجل 
المال.  وأكد المقدم غالب علي صالح مسؤول قسم الشرطة المجتمعية  لـ "الصباح" بان الشرطة المجتمعية وبالتعاون مع قسم شرطة الاحداث اخذت على عاتقها تنفيذ حملات توعوية في المدارس المتوسطة والثانوية للبنين والبنات من اجل تعليمهم وزيادة وعيهم بمخاطر الجريمة، مع تقديم شروحات عن الفقرات القانونية ودور الشرطة المجتمعية وضرورة التعاون معها علاوة على تسجيل لقاءات مع اولياء الامور للاهتمام بجانب التربية للاعمار في المرحلة المتوسطة والثانوية
، اضافة الى الاستخدام الحسن لمواقع التواصل الاجتماعي ،وهناك نية في اقامة محاضرات توعوية اخرى للفئة المذكورة للتعريف بجرائم الابتزاز الالكتروني والمخدرات والمشكلات المجتمعية والحفاظ على المنظومة الخلقية في المجتمع في مراكز 
الشباب.اضافة الى التعاون مع دوائر اخرى للاهتمام بصحة الاحداث والتوعية حول ذلك، فالتعامل مع المجرمين الاحداث يختلف عن التعامل مع المجرمين من الاعمار الاخرى وان عمليات التفتيش والملاحقة مستمرة للمقاهي والاماكن التي يشك في امرها من اجل القبض على المخالفين.