ماذا حقّقت معركة الإصلاح الضارية؟

الثانية والثالثة 2019/12/16
...

ابراهيم العبادي 
 

رغمَ أحداث مأساوية كبيرة هزت الضمير العراقي، تتابع معركة الاصلاح العراقية خطواتها بنجاح نسبي وقلق كبير ومخاوف اكبر، فالمسافة بين اهداف المعركة  وواقع الصراع الراهن ما زالت كبيرة، ولم يتحقق الكثير على الارض، فالخطوات الاصلاحية التي اضطرت اليها الحكومة والبرلمان لم تقنع المطالبين بالاصلاح حتى الان، ورغم صدور سلسلة قوانين وقرارات تندرج تحت مسمى الاصلاح، لكن مشهد الدولة العراقية لم يتأثر عمليا بهذه القوانين والقرارات، باستثناء استقالة الحكومة وبعض المحسوبين على الطاقم السياسي، نعم جاء سن قانون لمفوضية الانتخابات -بهدف اخراج  هذه المؤسسة المهمة من مخالب المحاصصة -، وكذا انشغال البرلمانيين بتعديل قانون الانتخابات، جاءا ليفتحا نافذة امل كبيرة بانهاء احتكار السلطة في العراق، اذ يعد هذان القانونان العنوان الابرز للتعديلات التي حصلت، ويؤمل ان تحصل في صورة العملية السياسية اذا احسن تطبيقهما، لكن نتائجهما لن تكون مؤثرة في مسار الاصلاح، ما لم يتم اختبارهما على الارض في الانتخابات القادمة، التي لا ندري أتأتي مبكرة، ام ستبقى في موعدها الدستوري؟، في حين ظل  قانون تقليص امتيازات كبار  المسؤولين وذوي الدرجات الخاصة معلقا على قدرة رئيس الوزراء القادم وحكومته العديدة، فالطبقة السياسية حسبت لكل شيء وباحتمالات متعددة، وما جاءت هذه القوانين تبرعا أو  طواعية، انما بسبب ضغط الشارع وخطورة الانزلاق الى المجهول. فبغير الجدية والحزم والايمان الصادق بالاصلاح، لن يكون بوسع القوانين وحدها ان تقتلع جذور الدولة العميقة، ولن يكون مقدورا اعادة تفكير السياسيين الى الجادة الصحيحة، ما لم يتواصل الضغط المدروس، العقلاني، والسلمي، المنضبط بادراك  كبير للمخاطر،  لكن على الجهة المقابلة فان ما حصل ويحصل من نكبات وجرائم رافقت الثورة الاحتجاجية، وضعت دعاة الاصلاح على حد السيف ايضا، فاستمرار التظاهرات والاحتجاجات دونما سقف محدد، عطل الدولة ومفاصلها، وأفقدها وزنها وفاعليتها، وهز صورة اجهزتها الامنية والعسكرية، واطاح بمنظومة عملها  الاداري والسياسي، بما يخشى على العراق من احتمالات التصدع الكبير.
كما ان توقف الاحتجاج  وانتهاءه بدون اقتلاع جذور الفساد السياسي، سيكون مجازفة ونكسة مدمرة  وتضحيات مجانية، وهبة ترفع آلة الضغط القوية عن رؤوس النافذين والمهيمنين على المشهد السياسي، لذلك تبدو المعادلة صعبة وخطيرة، يفترض ان تدار بعقلانية كبيرة لتحقق للعراق دولة طبيعية كسائر الدول، لكن السؤال الاهم، من يدير؟
ومن يحرك؟
ومن بيده سلطة اقناع المحتجين ليفضوا احتجاجهم،  ومتى يقتنعون انهم حققوا ما يريدون؟، وهم على ما نرى ونسمع، مجتمع مصغر، فهم يتوزعون على فئات عديدة، لكل فئة مطالبها وفهمها ووعيها لأزمة الدولة واسباب فشل  جمهورية 
ما بعد 2003.
من دون شك سيكون للحكومة الجديدة ذات المهمة الانتقالية دور مهم في ذلك، لكن الدور المكمل  والموازي يقع على عاتق المحتجين والاصلاحيين انفسهم، فليس مستبعدا ان تغرق تظاهرات الاحتجاج ببحر العنف، استجابة لمعطيات الاندساس والاختراق والتخريب الداخلي، او بسبب قلة الوعي وانعدام المسؤولية وضيق الافق لدى بعض الاحتجاجيين، كما  ليس مستبعدا ان تعمد القوى المستهدفة من الاحتجاج الجماهيري، الى خلط الاوراق واغراق البلاد في الفوضى، لتنجو من استحقاقات الاصلاح التي ابرزها تفعيل دور الاجهزة الامنية والعسكرية،  وعودة الدولة الى احتكار السلاح والعنف المشروع، وتفكيك الجماعات التي صممت لنفسها مشروعا خارج مشروع الدولة، وانهاء منظومات الفساد المالي والاداري 
والاستئثاري .
حتى ينجح الاصلاح لا بد ان يدرك الشعب أن المعركة طويلة وشاقة وكثيرة التضحيات، مثلما على الطبقة السياسية ان تدرك ان اوراقها باتت مكشوفة ومن الصعب بعد الان المناورة كثيرا والمراهنة على عامل الوقت، وتقديم تنازلات غير جادة او يمكن الالتفاف عليها مستقبلا، الاصلاح رهين بانهاء فكر الاستحواذ على الدولة او قيادتها وتوجيهها  بمنظورات مؤدلجة تمارس فيها قوى داخلية وخارجية الوصاية على العراق، معركة الاصلاح عنوانها الرئيس استعادة السيادة وبناء هوية وطنية عراقية بفعل منظومة سياسية غير 
فاسدة .