طرق وبدائل للتفكير وتصميم نظام أخلاقي في إصلاح الحداثة

ثقافة 2019/12/16
...

الشبكة العربية للأبحاث والنشر تصدر  الترجمة العربية لكتاب (إصلاح الحداثة: الأخلاق والإنسان الجديد في فلسفة طه عبد الرحمن) للبروفيسور وائل حلاق، يأتي صدوره متزامنا مع الطبعة الإنجليزية الأصلية عن مطبعة جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة. يأتي صدور هذا الكتاب لوائل حلاق بعد صدور كتابيه (قصور الاستشراق) ، و (القرآن والشريعة: نحو دستورية إسلامية جديدة) .
 
الخيط الاخلاقي الناظم في التاريخ 
يعد طه عبد الرحمن من أبرز الفلاسفة في العالم الإسلامي ، ؟إذ تغطي مؤلفاته مجالات واسعة تتناول موضوعات ترتبط باللغويات والمنطق والوجود والعقل والعنف والمادية والعقيدة والجدل والحوار وفلسفة اللباس. بيد أنه على الرغم من اتساع اهتماماته، فإن الخيط الذي يربط كل أطراف فلسفته هو (التنظبم  الأخلاقي ) نجد جذور هذا الهاجس في التكوين والتربية الصوفية التي تلقاها هذا المفكر، إذ يخيطها عبد الرحمن في نسيج اشتباكه الخطابي والفلسفي مع المشكلات المركزية التي ترزح تحتها الحداثة في الغرب وعالم الاسلام  وهو ينظر اليهما لا بوصفها دالات جغرافية، وإنما تشكلات معرفية من الدرجة الأولى. 
وائل حلاق يقول: أن هذا الكتاب لا يحوط بكل أبعاد مشروع عبد الرحمن الضخم أو حتى بأغلبه، إلا أنه يأمل أن ما يناقشه فيه يكشف عن (الأعصاب المركزية) التي يعمل نظام الفكر والفلسفة  التي تجعل مشروع عبد الرحمن ما هو عليه، والتي إن غيرنا تكوينها الداخلي يصير ذلك المشروع مختلفا اختلافا جوهريا عما نعرفه عنه الآن. يعنى هذا أيضا انه مع تواصل مشروع عبد الرحمن، فإن لدينا بالفعل نسيجا فكريا ضخما يمكن التعرف إليه بوصفه إسهاما متميزا في الأخلاق . ويحلل وائل حلاق النظام الأخلاقي الذي يبنيه طه في جدل مع (الأسئلة المركزية التي ابتليت بها الحداثة في كل من الغرب والعالم
 الإسلامي)
 
بدائل للتفكير 
يرى وائل حلاق أن المفكر المغربي طه عبد الرحمن يمثل صياغة لتقاليد فلسفية جديدة غير غربية ولا تتمحور حول الغرب، ويستكشف أن مشروعه الفلسفي يلقي الضوء على التيارات الفكرية الحديثة في العالم الإسلامي، ويطرح نقدا هائلا للحداثتين الغربية والإسلامية.  ثم يقدم طرقا وبدائل  للتفكير ويطور نظاما أخلاقيا قويا بهدف إصلاح الحداثة. ويرى حلاق أن مشروع طه عبد الرحمن الفكري هو أقوى شهادة على أن الأخلاق هي المجال المركزي للإسلام، وأن مفهومه الجديد عن الإنسان العقلاني والروحي يعد نوعا من العلاج لمرض الحداثة في الزمن المعاصر. إذ يؤكد على الجمع بين الأخلاق والدين كأصل في مشروعه الفلسفي الأخلاقي، منتقدا الحداثيين العرب الذين يجيزون لأنفسهم انتقاد الديني بواسطة ما هو لا ديني، يقول (لم لا يجوز عند سواهم أن ينتقدوا اللاديني بواسطة ما هو ديني؟ لم لا يقبلون انتقاد الحداثة العلمانية بواسطة الأخلاق الإسلامية؟ في جميع اعمالة الفلسفية يعيد طه عبد الرحمن، السؤال الأخلاقي، باعتباره البوابة الرئيسة لإعادة إحياء الإنسان، ويوضح طه عبد الرحمن تصوره بقوله: لما كانت أفعال الإنسان أفعالاً خلقية صريحة، كان لا بد أن تتجه هذه الأفعال إلى الآخر باعتباره إنسانا، أي كائنا أخلاقيا، بمعنى أن التعامل الذي يحصل في دائرة أفراد البشرية جمعاء هو تعامل أخلاقي، ثم لما كانت هذه الدائرة الواسعة هي التي يُطلق عليها اسم العالم، وليس على ما دونه كالمجتمع أو القبيلة، صار العالم هو المجال الأصلي الذي يدور فيه الفعل الخلقي، بحيث تكون لكل فرد فيه واجبات أخلاقية نحو غيره كما تكون لهذا الغير واجبات أخلاقية نحوه، فإذن الطبيعة الأخلاقية للأفعال الإنسانية تجعل صاحبها مسؤولاً في الأصل إزاء العالم كله، وليس إزاء بعضه فحسب، مجتمعاً كان أو جماعة) ينادي بضرورة تخليق الحداثة فإنه لا يعني بذلك التخلي عن العقلانية بقدر ما يدعو على تخليقها ، فهو يميز بين نوعين من العقلانية، العقلانية المجردة والعقلانية المسددة بالأخلاق. مع حفظ الصلة بالأخلاق التي يتضمنها الدين متجاوزة مسألة ألاّ أخلاق بلا  تدين لأن (الدين يجيب أساسا على السؤال المحدد للهوية البشرية. و هو كيف أكون على
 خلق )
 
مشروع الحداثة الغربية 
يركز طه عبد الرحمن على أن للحداثة سمتين أساسيتين الاولى ان كل التحولات  التي حصلت في المجتمع الغربي هي تحولات تراكمية نقلت المجتمع من طور حضاري إلى طور اخر أما السمة الثانية  التي تميز الحداثة الغربية فهي أنها تحولات داخلية أي أن الغرب هو الذي قام بها من ذاته و بمقتضيات مجتمعه و ليست حداثة واردة عليه و لا مفروضة عليه. ليخلص إلى أن السمة التي تجمع بين التراكم و التلقائية هو الإبداع. فالخاصية الأساسية للحداثة أنها جملة الإبداعات التي جاء بها الإنسان
 الغربي .