عالية طالب
من يملك ويموّل الجيوش الالكترونية؟ ولماذا كلما استجدت متغيرات تتعلق بمستقبل وحاضر العراق، نشطتْ هذه الجيوش في الحفر العميق وصولا الى تغييب الوعي اعتمادا على قصوره أو سهولة انقياده الى مناطق أشبه بدوامة تفتعل دورانا لا ينتهي.
من الذي أسهم في ترويج التطرّف، الكراهية، الاقصاء، العنف، الجهل، تغييب التنمية الفكرية، والقدرة على التمييز الواعي غير هذه الجيوش المنظورة والمستترة التي ترسل خطابها المغلف بالطرود ويستقبلها المتلقي بوعي سلس الانقياد والتبني لتصبح منطلقا لسلوك ومنهج ورؤى تفعل فعلها في احداث شروخ في جسد وطن هُيّئت أكثر السبل لجعله يعيش أزمات لا تنتهي..
حسابات وهمية بأسماء مستعارة ترسل لنا على مدار اليوم برقيات واخبار وأيدولوجيات وسموم متخمة بفيديوهات مفبركة وصور منتقاة بعناية لتحقق تشوشا وضبابية حتى في البحث عن الحقيقة التي حين نجدها بعد جهد كبير نراها تخلو من اية علاقة مع كل ما تم تصديره من أوهام تسعى للإضرار بالسلم والأمن المجتمعي الذي هو اساس الاستقرار النفسي لأية تجمعات انسانية.
وغالبا ما تكون الفئة المستهدفة هم الشباب الذين يتمتعون بيولوجيا بالاندفاع والحماس وحداثة الخبرة في تحليل الشفرات المدسوسة لأغراضها الخاصة المستفيدة من ثورة الاتصالات وسهولة الوصول الى الهدف بأسهل وأرخص الوسائل وفي ذات الوقت يتم تحقيق الاهداف التي قد تخفق الجيوش واسلحتها في سرعة إنجاز ما عليها.
هذه الظاهرة "الدولية" وليست لعنة عراقية محلية، اذ ان اغلب المجتمعات باتت تواجه ذات الواقع ومن دول مجاورة ودولية لها اهداف سياسية واقتصادية وعسكرية تهدف الاضرار بالآخر وتمزيق نسيجه عبر الايحاء بأنّ ما ترسله يمثل رأيا عاما يجعل المتلقي يشعر بأنّ عليه الانقياد السريع ما دام الأمر لا يتوقف عنده وحده.
كيف يمكن للمجتمعات التي تعيش الازمات والثغرات ان تعمل على معالجة الحالة دون ان تقف متفرجة ازاء كل حملات الفتنة الطاغية التي تغري مواطنيها للذهاب الى المجهول والقبول بانتظار "غودو" الذي لا يأتي أبدا.. نعتقد ان مراحل حماية المجتمعات هو ما أفتقدناه تطبيقيا لذا فإنّ حرق المراحل الذي نعيشه الان جاء بسبب استشراء الأمية التعليمية والثقافية وغياب وتغييب وعي النقد القادر على تعرية الاكاذيب دون ان يسقط هو في فعل الاكذوبة، والقدرة على دمج المؤسسات المعنية بفعل الشراكة والمسؤولية مع الأسرة التي جاء ضعف دورها عاملا فاعلا ومساهما في ظهور قصور الوعي لدى اجيال لم تعد تتبيّن بوضوح كيفية الفصل بين الواقع والخيال وبين الفعل البطولي وفعل خرق القانون والشرائع الوضعية والربانية.. مما ادى الى تشابكات استطاعت فئة جيدة من الشباب الواعي التصدي لها اعتمادا على رصانة عقولهم وهم يجاهدون لتصدير خطاب الوعي الوطني اعتمادا على مرتكزات الوعي الفكري والثقافي الحقيقي... كل ما علينا الان هو العمل على فرز المعطيات المتسارعة لإجادة الفصل بين الزيف والحقيقة والعمل على اشاعة الفكرة الثابتة وفضح زيف تصدير الخطاب المدسوس بكثير من الالغام التي ان تركت فستعرف اين تنفجر وتحقق مبتغاها البعيد عن فعل المواطنة والانتماء للوطن.