شعريَّة الرفض ومعجم التمرّد في قصيدة (زينب) للشاعر الراحل ابراهيم الخياط

ثقافة 2019/12/21
...

كمال عبد الرحمن
 
منذ ان انطلقت مقولة (الشعراء مشرّعو العصر) أو قبل ذلك بكثير، كان على الشعر أن يأخذ دوره في الحياة، كراصد ومدقق  للتأكد من أن كل شيء يسير في مساره الصحيح، وحينما تنحرف العقول عن جادة الصواب، تنبري القصيدة منتفضة بوجه السياسات الخربة التي تنتج حكومات فاسدة أو العكس صحيح، فتمرّد القصيدة حاجة ملحة لتعديل مسار خرب، او سياسة فاسدة، أو فضح الطواطم المعاصرة .
إنّ بنية القصيدة المتمرّدة،  تبنى من مجموعة ضوابط، أهمها شخصية الشاعر ووعيه وثقافته وانسانيته التي تغلب على كل انسانية، والثاني: قدرة الشاعر على توظيف نصوصه الرافضة توظيفا فنيا راقيا، يتناسب مع عظمة الحدث وردود الافعال، والثالث: ينبغي الطرق على الحديد وهو ساخن، والا اية انتفاضة فكرية او ثورة شعرية في استراتيجية (زمكان) غير مناسبة؟، قد تسيء الى قدسية هذا التمرّد، وتفشل مساعي القصيدة في بلورة موقف ما لصالح التمرّد الجاد والرصين، والرابع: هو التكرار وإدامة الضغط النفساني على الاخر، فلاتنجح ثورة بكلمة واحدة، ولاتقوم انتفاضة بإشارة صغيرة، الشعر المتمرّد هو الكلام الذي لايشبهه كلام، وهو الكلام الذي يُحرق ولايحترق.
تتشكّل قصيدة (زينب) للشاعر الراحل ابراهيم الخياط من خلفية تستقي احداثها في الاصل من شخصية (* زينب شعث: مغنية سياسية من فلسطين، تألقت في سبعينات القرن الراحل.)، تبدأ بمشهد غرائبي عن خيبة أمل القديسة العذراء من سياسيِّ العصر:
)) تحت الكراسي العربيّة
اكتفت القديسة العذراء
بالتريّض في شرنقتها المنسوجة
من حرير النكبات
وصمغ الاكتئاب،
فتبيت ـ كلّ نكبة ـ
ملولا،
كإمائهم ـ
تنتظر من يخون إمبرياليته
ويطارحها النسيب الساخن
في شتاء المذابح،
وكزرقاء الغمامة
ترى جنات
تجري من تحتها دفوقان نضاحتان
بعذب الدماء
وترى أهليها
اللايخافون مقام القاتلين
هم فيها خالدون،
ومتكئين على رفرف
من النعوش المريحة،
ولا تدري
لمن تشي
بالزغاريد المحبوسة في حناجر الثكنات؟)).
تبدأ القصيدة بطرح سياسة الرفض صراحة بوجوه الأمثلة السياسية الخربة، ولتكتمل حاسة التمرّد، نبدأ أولا بالمعجم الشعري، حيث ان مجالات دراسة المعجم الشعري متنوعة وكل مجال بنتائجه، بخاصة  وانه يمثل اختيار الالفاظ وترتيبها وفق طريقة خاصة، بحيث تثير معانيها خيالا جماليا، فهو اذن يمثل التميّز الذي تفرّد به النص الابداعي، فاذا اردنا أن  نحيط باللغة الخاصة لشاعر ما، فلنحاول متابعة معجمه الشعري، كما ان دراسة الالفاظ بمعزل عن تراكيب الجمل لا يأتي بثمار، والاحصاء يبقى من دون نتائج، وأيضا لا يجب اغفال اهمية تعالق الالفاظ المكونة لجملة او لشبه جملة بعضها ببعض في تحديد الدلالة، ونلحظ أنّ الشاعر ابراهيم الخياط في هذه القصيدة يستجير بالمرجعيات (التاريخية/ التراثية/ الدينية..الخ) لتأمين تعالق نصّي رصين مع هذه المرجعيات: 
 
((وهي ترى
الشارع الممتد
من أقصى الضاد الى أقصاه
ضاجّا على الإسفلت الأخرس
كخشب الكراسي العربية،
وترى ـ بآيتيها المعصوبتين ـ
أسراباً
من بوم قرطاجة
تنتظر الخراب العظيم
خلف أبوابنا التي تستظل بعاقول الحظوظ
وتلتقط
ـ على مدار الهجير ـ
موجة الامتعاض
وذبذب الاعتراض
في أثير السكون،
فمن خمسين
ـ في مناسبة نسيتها ـ
ولكن
لا تنسى الأيكة العذراء أنها، من خمسين،
ما استساغت
حساء الرصاص الفاسد)).
 
وتدريجيا تبرز صورة المعجم في قصائد الخياط، على انها تتشكل من جمل ومفردات متكررة تتأصل فيها روح التمرّد على اختلاف معطيات  المفردات التي تغذي الاختلاف والتشاكل في شعرية القصيدة المنتفضة، وهكذا نجد ان التكرار بدلالاته الأصلية والفنية يصنع معجما شعريا مائزا في قصيدة (زينب)، ان علم الدلالة في متابعة دلالة الالفاظ يقوم بدراسة الحقل الدلالي، باعتبار ان الدلالة كامنة في النص من خلال عدة حقول دلالية تتارجح في بؤرة الدلالة، ويصل ذلك من خلال التحري داخل التكرارات والمترادفات والكلمات والمفاتيح، ان مفتاح النص الدلالي الاول في قصيدة ابراهيم الخياط (زينب) هو (الخراب)، وهو رحلة في استكشاف رؤى (داخلية / خارجية) للـ(الحاضر) المبتلى بالفواجع والكوارث الانسانية لهو حل منطقي بعد ان اخفقت (الحياة) البائسة المحبطة، في تطويع اتجاهات (الحاضر) نحو الحلول المؤاتية لأبسط عقد واشكالات انساننا الحالي الضائع في جميع
 الاتجاهات .