دماءٌ... في النهر

ثقافة 2019/12/22
...

رضا المحمداوي
 
 
حدّقَ الفتى ... 
القادمُ مِن جهةِ الندى
بعينينِ حالمتينِ غارقتينِ
  بالدمعِ الحارقِ 
وقد غامتْ الرؤيةُ لديه 
فرأى كثيراً مِن الوجوهِ الباكية 
مِثلَ وجهِهِ الحائر 
وهي تختنقُ في غيمةٍ
مِنْ دُخان 
لكنَّهُ مضى صوبَ الجسر 
وهو يتمنّى 
أنْ تمنحَهُ الريحُ أجنحتَها 
كي يطيرَ
ويحط َ هناك ...
على الحاجز 
في منتصفِ الجسر 
ليرفعَ العَلَمَ عالياً 
طَبَعَ قُبَلةً حرَّى
على بياضِ الكفن 
الذي سيلّفُ جَسَدَهُ
وأخرى على سوادِهِ المُقيم في البلاد
وقُبَلةً ثالثةً 
على قداسةِ الأخضر
وهو يُتوِّجُ اسمَ الجلالةِ 
بالذبول
بَيْدَ أنّهُ تَرَكَ اللون الأحمر مؤقتاً 
لأنّهُ سيعانقُهُ
بعد حين 
حيث تنبتُ قنبلةُ الدموع 
أو رصاصةُ القنَّاص 
في رأسِهِ 
ويندلعُ شلّالُ الدم 
..... وفي لحظةٍ ....
تراءتْ له أُمُّهُ
مِنْ بَيْنَ الحشود
راكضةً نَحوَهُ
وغطتْهُ بعباءتِها 
وقالتْ له: خُذْ من أنفاسي شهيقاً نقياً 
عَطّرْ بهِ جسدك
وخُذْ مني ماءَ الخميرة 
جئتكَ به من معجنة الخبز 
حيث تركتُ التنورْ
............ يفورْ
وخُذْ مني رشفة "الببسي" هذه 
كي تغسلَ وجهَكَ بها
لتكونَ ملامحك أحلى 
ويكونَ طعم الموتِ أشهى 
وأمضِ إلى الضفة الأخرى 
فلا أظنُ أنَّ النهرَ سيخذلُكَ 
هذهِ المَرَّة 
فَرَكَضَ مَلهوفاً صَوْبَ الجسر 
إلى حاجزٍ بين حدَّين 
مِنْ رصاصٍ .... واشتياق 
وهو يَلّفُ العَلَمَ العراقي 
على جسدِهِ المُدمّى النازف 
ليسيلَ دَمُهُ المُضيء هناك...
من أعلى الجسرِ 
إلى النهرِ الجاري 
ويختلط بالدماء الغزيرة 
التي  ما زالتْ تسيلُ
في مياهِ النهرِ  
منذُ سنين