الرواية الإيقاظيَّة مرّةً أخرى

ثقافة 2019/12/24
...

البصرة/ صفاء ذياب

 
 
في سعيها الحثيث لتقديم التراث العراقي بصورة جديدة، أعادة دار قناديل العراقية إصدار الرواية الأولى في تاريخ الأدب العراقي (الرواية الإيقاظيّة) للكاتب الموصلي سليمان فيضي بمناسبة مرور 100 عام على إصدارها، محاولة منها للتأسيس على بدايات الأدب الروائي العراقي.
 وقناديل إذ تؤكّد أنّ هذه الرواية هي الأولى عراقياً، فقد أرادت الرد على المشكّكين بأسبقيتها، ومن ثمَّ على اختراع تاريخ غير صحيح لهذا الفن الأدبي، فالكثير من النقّاد ذكروا أن رواية (جلال خالد) لمحمود أحمد السيّد هي الأولى عراقياً، في حين يرى آخرون أنّ رواية (النخلة والجيران) هي الرواية الأولى إذا درسنا هذا الفن انطلاقاً من البناء والتقنية السردية.
في تقديمه للطبعة الجديدة من الرواية، يشير الأستاذ الدكتور نجم عبد الله كاظم إلى أنّ هناك من يستبعد أن يكون هذا العمل رواية، مؤكداً أن هذا تجنٍّ على فيضي وعلى روايته، مبيّناً أن من يرى أنّ رواية  السيّد (جلال خالد) التي جاءت بعد روايتيه (في سبيل الزواج) والثانية (مصير الفناء)، هي المؤسسة للفن الروائي العراقي، فيرى كاظم أنّ هذه الأعمال جميعاً لا تمثّل إلا محاولات رواية أيضاً، ولا يمكن عدّها أعمالاً مكتملة، إلا إذا التفتنا إلى رواية (النخلة والجيران) بحثاً عن البناء الفني نقدياً.
وفي حديثه عن (الرواية الإيقاظية) يُبيّن الدكتور كاظم أن أسلوب الرواية ينطوي على شيء من العصرية والتميّز الحديث نسبياً، ولا سيما أن الكاتب يبدي- ضمنياً- وعياً بعيوب الكتابات القديمة فيتجنبها بشكل ملحوظ. وأن المسحة القصصية واضحة على هذا الأسلوب، بل إنّنا لا نتردد في القول إنّ سليمان فيضي يمتلك حسّاً قصصياً، فيبدو وكأنّه يعي أنه يؤلّف قصة تختلف عن المقامات والأشكال القصصية العربية القديمة.
من جانبه يعرض الكاتب علي ابراهيم محمد الزرقاني لآراء عن الريادة القصصية والروائية في العراق، فيقول إنّ الدكتور عبد الإله أحمد يعدّ الباحثين الذين أرّخوا للقصة العراقية قد وقعوا في خطأ إذ عدّوا القصة العراقية بدأت بعد الحرب العالمية الأولى وبدأت بمحاولات محمود أحمد السيد، بل إن المحاولات الأولى وخاصة محاولات (عطاء أمين) هي البداية الحقيقية للقصة العراقية. بينما يؤكد في موضع آخر من دراسته: أن القصة العراقية والرواية فعلا بدأتا بعد الحرب
 العالمية الأولى .
 ويضيف الزرقاني:  ونلاحظ أن عطاء أمين الذي يستشهد به الباحث ويعده رائدا للقصة، كتب أنضج قصتين عام 1920 أي بعد الحرب العالمية الأولى، ويبدو أن عبد الإله أحمد لا يعدّ سليمان فيضي رائداً للقصة بل رائد للقصة الطويلة أو الرواية بينما يرى جعفر الخليلي أنّ «(الرواية إلايقاظية) التمثيلية... أول قصة حديثة كتبها كاتب عراقي» فيرى أن «الرواية الايقاظية» الصادرة عام 1919 هي تطوير لقصص الرؤيا، فـهي أيضاً حلم من أحلام القاص غير أنه لم يشر لهذا الحلم سوى
 في المقدمة.
ويستمر الزرقاني في حديثه، موضحاً أن بعض النقاد عدّها أول رواية عراقية على الرغم من أنّها «خلت من كثير من مقومات القصة، واختلطت إلى حد كبير بالمسرحية النثرية، حتى اعتبرها بعض الباحثين من العمل
المسرحي».  وأوّل الدكتور عمر الطالب آراء الذين عدّوها (رواية) وهما (حسين الرحال، محمود أحمد السيد)، وآراء الكتاب الذين اعتبروها (مسرحية) وهم (الدكتور جميل سعيد، جعفر الخليلي، والدكتور علي الزبيدي) بينما يرى عبد القادر حسن أمين أنّ (الرواية الإيقاظية) مسرحية تارة، ومقامة تارة أخرى، والدكتور عمر الطالب نفسه تأرجح في وصفها ففي رسالة الماجستير عام 1965 وكذلك في كتابه (الرواية العربية في العراق) الصادر سنة1971 عدّها «مزيجاً من فني الرواية والمسرحية»، وقدّم تقويماً آخر في كتابه (القصة القصيرة الحديثة في العراق) إذ كتب ما هو نصه «يعد سليمان فيضي الموصلي أول من حاول كتابة القصة في العراق في كتابه (الرواية الإيقاظية) 1919. وقد جاءت على نمط الروايات التعليمية التي شاعت في العالم العربي في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين». 
وعند قراءتي لها لم أجدها مسرحية ولا رواية، بل وجدتها- كما قلت- قصة من قصص الرؤيا مطورة من حيث الحجم والأسلوب، واعتمدت الفنتازيا والخيال اللذين لا يتوافقان مع الواقع.
يذكر أنّ سليمان فيضي ولد في الموصل عام 1885، دخل الاعدادية الأميرية في الموصل عام 1895 ومنها انتقل إلى الاعدادية العسكرية في بغداد.
 أسس فيضي بتشجيع من الملك فيصل (الجمعية الخيرية الإسلامية) لإيواء الأيتام المسلمين وتعليمهم وإعدادهم للمستقبل وأصبح رئيساً لها حتى عام 1922 عندما عهد إليه في وزارة عبد المحسن السعدون الأولى متصرفية لواء المنتفق.
 وعاد فيضي إلى البصرة ومارس المحاماة عام 1922 وفي عام 1923 اختاره الشيخ خزعل أمير (عربستان) مستشاراً له ومعتمداً لإمارته وبقي فيضي في هذا المنصب لمدة ثلاث سنوات ولما ظهرت مشكلة الموصل وأرسلت عصبة الأمم لجنة للتحقيق في الأمر قبل إصدار القرار، أوصى سليمان فيضي بتأسيس (حزب الاستقلال الوطني) ووضع منهاجاً يستهدف الدفاع عن عروبة الموصل وأصرّ أهلها على البقاء ضمن العراق امام اللجنة. عارض فيضي معاهدة 1930 التي عقدها نوري السعيد مع بريطانيا فابعده نوري
السعيد عنه.
 وانتخب سليمان فيضي نائباً عن البصرة في المجلس النيابي العراقي عام 1935 وبقي في منصبه حتى حل المجلس بعد سقوط وزارة ياسين الهاشمي على إثر انقلاب بكر
صدقي عام 1936. 
واعتزل سليمان فيضي السياسة بعد ذلك واستقر في البصرة نهائياً. وانصرف إلى المحاماة والاعمال الخيرية والثقافية.
تعد حياة سليمان فيضي صفحة من صفحات الجهاد الوطني في سبيل تحرير العراق واستقلاله السياسي ونهضته الاجتماعية. وكان من أبرز المقاومين لطغيان الاتحاديين المناوئين للاستعمار عرف بمواقفه الوطنية وخدماته الصحافية والثقافية المبكرة. أسس جريدة (الإيقاظ) و(مدرسة تذكار الحرية) وكان معتمداً (للحزب الحر المعتدل) و (حزب الحرية والائتلاف) ثم (الجمعية الإصلاحية في البصرة). وانتخب عضواً في مجلس المبعوثان العثماني. وعاصر تأسيس الحكم الوطني في العراق وكان من رجال القانون البارزين وأساتذته المعروفين.