حميد المختار
هو سارد خرج من اسار دوائر الزمن الروائية بأجناسه المختلفة ومارس مسؤولية المدّون المديني في توثيق روح المكان عبر مسارب عربية وتراثية موغلة في القدم وعبر منافذ عالمية أعطته ضوءاً أخضر حين عبر بوابات بورخيس وادغار الن بو وكبلينك، كان سرده أشبه بالحفلة التنكرية كما يقول هو دائماً، يتنكر خلف سبعة أقنعة كما حاول في كتابه (حدائق الوجوه) ونبقى نحن محبو محمد خضير ومريدوه ومتابعوه وقراؤه أشبه بالمتنزهين الذين ينتقلون من حديقة الى أخرى باحثين عن ملاذٍ آمنٍ ومستقر في (خان العالم)، بينما ظل هو يسير متأنياً من الكاووس الذي يعني اللانظام والفوضى الى الناموس والاتزان والحكمة والاستقرار في نصوصه التي عبرت الأانواع والتجنيس وإنْ لم يعلن هو عن ذلك، وصار سرده بحد ذاته هو الانتقال الى أقصى حدائق العالم، ولكنْ وإنْ لم يقل ذلك ولا يعترف به لتواضعه الجم وابتعاده عن الغوص في أناه وكشفه لأسرار حرفته وتطلعاته وخططه، أقول صار محمد خضير واحداً من بستانيين العالم وهذا جل ما كان يطمح له ليحتل هذه المكانة كما نوّه عن ذلك في حوار معه، لقد حقق هذا السارد الكبير خطوة مضافة في تجربة السردية العربية حين أسس ليوتوبيا المكان خصوصاً وهو يكتب عن البصرة التي استلّها كمكان مستهدف من صورة مشوهة ومليئة بالتناقض والتشابك والتحول الى يوتوبيا الصورة التاريخيَّة، وقد نجح بطريقة مذهلة حين خرج من مملكته السوداء وشوارعها الواقعية القديمة المليئة بالبراءة والبكارة الى ملامح بصرياثا الملاصقة لأحلام باصورا، ما أثار التباساً نظرياً واقعاً لدى كثير من نقاد الرواية والسرد وتضاربت الآراء النقدية هل هي رواية أم انها جنس ضد الرواية؟ وهل هي فعلاً كتاب عابر للأنواع؟، وماذا عن الشعر حين يزحف على متون السرد الذي قد يحسب تزويقاً ظاهرياً كما يقول هو.. ومع تأكيدنا بأنَّ نصوص محمد خضير السردية ما هي إلا نصوص موازية لنصوص المعلمين الأوائل كبورخس مثلاً لكنه ظل المبتكر والمؤسس والمؤول لعوالمه المتشابكة من العقد واللعب باللغة والذاكرة والمخيلة والتاريخ والاسطورة والهم الإنساني الكبير حتى صارت نصوص محمد خضير مقارنة بنصوص مجايليه وزملائه ضرباً من الرؤى والتأسيسات النظرية لعوالم غامضة مغترفة من الواقع والوهم واليوتوبيا والشعر وصولاً الى ابتكار أقنعة السرد وخلق أجواء وعوالم الحفلة التنكرية التي ما زال هو نجمها اللامع بلا منازع، وهو كما وصفه هشام البستاني بنزعاته التجديدية والتجريبية وتعدد وتنوع أساليبه الكتابية واحداً من أبرز القصاصين العرب المعاصرين وأكثرهم هدوءاً وصمتاً وتقشفاً في حضوره الإعلامي وإنْ كان حاضراً بقوة تأثيره الكبير في أجيال لاحقة من الكتاب العرب السائرين على ذات النهج الجاد في مقاربة الكتابة الإبداعيَّة المختلفة دون اعتبار لسؤال التجنيس الذي لطالما خرقه محمد خضير في كتاباته حتى صار واحداً من علامات القص العربي المعاصر..