مهرجانات الزمن الصعب

ثقافة 2019/12/29
...

حسب الله يحيى

المهرجانات والندوات والملتقيات.. الفنية والثقافية، أيّاً كان نوعها وتوجهها، وجه من أوجه رخاء واستقرار المجتمع، وهي سبيل او أسلوب او خطاب يراد له تحقيق المتعة الفكرية والنفسية والتربوية.. 
وما من أحد ينكر او يرفض او يتغافل عن الدور الايجابي والنبيل الذي تحققه هذه المهرجانات في حياة الناس..
إلّا أنّ المؤاخذة او العقبة او اللامقبولية في هذه المهرجانات.. كونها تقام في غير الزمن الملائم لاقامتها، بمعنى ان توقيت وجودها خالٍ من الدقة ومن الضرورة كذلك.
ولعل المهرجانات والعروض المسرحية الكثيرة التي اقيمت منتصف الثمانينات في العراق، شاهد على سلبيات الزمن الذي تقام فيه.. ففي هذا الزمن كانت الحرب العراقية ـ الايرانية في أوج اشتعالها وقوافل الشهداء تتوالى في البلاد، وفي الوقت نفسه نجد المسرحيات الكوميدية يتم الترويج الاعلامي لها في اكثر من عشرين قاعة مسرحية يومية في بغداد وحدها.. 
وكان الامر مقصوداً وقد تم التخطيط له، إذ كانت السلطة السابقة تريد اشغال الناس وابعادهم عن كوارث الحرب.
اليوم.. يتكرر الحال نفسه!
ففي الوقت الذي ينتفض فيه العراقيون في بغداد والمحافظات، ويتساقط العشرات من الشهداء والجرحى، الى جانب ازمة الحكم التي تشغل بال العراقيين جميعاً؛ نجد من يدعو أو يقيم مهرجانات للمسرح والسينما والغناء ويتم الاعلان عن ندوات هامشية لا تعني المتلقي ولا تتلاءم مع الظرف الراهن ويتم تخصيص مبالغ هائلة لها... فيما البلاد تعاني من الجوع والبطالة وغياب الخدمات والنقص الحاد في المدارس والمشافي.. 
في هذا الوقت العصيب بالذات يتم الاعلان عن مهرجانات.. مع ان العراق يخلو أصلاً من وجود دور للسينما والمسرح وقاعات للاعمال التشكيلية.. 
صحيح ان هناك اقلاما ولوحات واغاني ومحاضرات وندوات معينة تقام في ساحة التحرير مثلاً او في منظمات المجتمع المدني؛ إلا اننا لا نتحدث عن هذه وما يماثلها، فقد يتم الصرف عليها مادياً من قبل اصحابها وليست بها حاجة للتمويل.. لأنها بالاساس معدة لغرض مرحلي معين، ومرهون مثل هذا النشاط لدعم حالة ساخنة بعينها.
نعم.. نحن مع ندوات وافلام ومهرجانات تشرح وتوضح وتعزز الخطاب الوطني المسؤول، ذلك ان الوعي قرين الحراك الشعبي ويتواءم معه ويتفاعل مع وجوده، بل هو ضرورة من ضروراته.. الامر يختلف بين مهرجانات وطنية ودولية تقام لاهداف اعلامية لا يراد منها إلا تحقيق حضور اعلامي لنظام لا ينظم مؤسساته ولا يدعم ارادة شعبية ولا يرقى بالمستوى الاجتماعي، وإنما يتخذ من المهرجانات دعاية تعبر عن رخاء كاذب وامن مستقر زائف وحياة طبيعية منكسرة.. 
ان اي مهرجان لا بدّ ان نوجد له اولاً الارضية السليمة والعناصر الكفء ونوفر له كل مستلزمات النجاح على الاصعدة كافة، حتى تظل لهذا المهرجان او ما هو في مقامه من حفلات ومسابقات.. مكانة مرموقة، وحضور دائم يتجاوز اوقاته، لينتقل الى ما انجزه كل مهرجان وكل فعالية ايجابية منشودة .. 
إنّ الزمن الذي تسوده حالات من القلق والفوضى والترقب.. لا يصلح ان يكون وقتاً مناسباً، فلكل زمان خطابه، ولكل مهمة مسارها؛ فيبقى هناك مهم وهناك أهم، وضرورة ملحة، واخرى يمكن تأجيلها.. فهل نمتلك عافية أن نعرف ونقرر؟