آلان باديو : الكينونة والحدث

ثقافة 2019/12/29
...

ناجح المعموري
 
 
صدر حديثاً للشاعر والمترجم المعروف نصير فليح عدد من الكتب الفلسفية وهي " آلان باديو / وسلافوي جيجك / وميراث الغائب / مع كيركجارد . وكل منها ترجمة وتقديم وبحث تعريفي . وسأقدم تعريفاً اولياً عن " آلان باديو " الذي عرفني به الصديق نصير فليح وانا اتحاور واياه حول الثقافة والاهتمام بها وانشغال نصير بها قارئاً ومترجماً ومعرفاً بها ولأني اتابع هذا المجال الحيوي بسبب اهتمامي بالأسطورة والتي وجدت ان العناية بها تستلزم الاطلاع على الفلسفة كضرورة قصوى مساعدة لي بعملي في مجال الميثولوجيا والانثربولوجيا وعلم اجتماع المعرفة. 
وللحقيقة اقول بأن الاستاذ نصير فليح في احد حواراتنا تحدث لي عن آلان باديو واخبرني بما يتمتع به من شجاعة لم يسبقه احد اليها وهي اختلافه المركزي مع هايدجر الذي ارسى منذ بدايات القرن العشرين ثنائية والكينونة والزمان ، وتلبستنا مفاهيم هايدجر حتى اليوم الذي اخبرني فيه الاستاذ نصير بأن باديو اخترق ثنائية هايدجر التي ذهب معها اغلب الفلاسفة المعاصرين ، فقال بأنه قال بــ " الكينونة والحدث " وكانت مفاجئتي كبيرة وحاولت ايجاد تفسير للحدث اعتماداً على امكانيتي وفشلت ، وفي حواري معه دنوت من المصطلح ، لكن الاستاذ نصير فليح  تمكن وبوضوح رسم صورة جلية لــ " باديو " في كتابه الصادر عن مكتبة عدنان وقال نقلاً عن باديو : ان المعروفات اليوم حول الشروط الاربعة لم تتغير منذ افلاطون والمقصود بها هي الحقائق الاربعة وهي العلم / الرياضيات / والفيزياء / الحب / السياسية / الفنون //
ذهب باديو للتحديد / لكن سبينوزا اشار الى لا نهاية الخصائص بمعنى هي موجودة واكثر مما مؤشر قبلاً من فلسفة باديو . لكن الانسان لا يعرف غير اثنين منها وهما الفكر والامتداد ، قال باديو " بالنسبة لنا نقول انه ربما هناك لا نهاية من انماط الحقيقة ، لكننا البشر يعرف فقط اربعة منها . ونعرفها بشكل فعلي . وحتى لو قلت بعض التعبيرات النموذجية عن الحقيقية ، فان علاقتنا بالحقائق تظل مطلقة ص 23//
نحن وبحكم صفاتنا ، ووظائفنا وعناصرنا نستطيع ان نقول باننا لم تتح لنا فرصاً للتعرف جيداً على الحقائق التي تعيش معنا في الفضاء العام ، لا نجد غير المجالات الاربعة الرئيسية . ان من الخصائص البشرية المميزة للكائن هي الشروط الاربعة / المحاولات والحقائق الاربعة . وما دامت هذه الشروط من خاصيات البشر ولكن بمعنى " خاص جداً " ذلك انه ليس كل انسان هو دائماً ذات ، حسب مفهوم باديو الذات ، وليس كل وضع بشري ينطوي على كل ولا حتى اي من الشروط ، بينما يؤكد باديو ان كل حقيقية يجب ان تبدأ بحدث ، ومثل هذه الاحداث هي نادرة / ص 22//
وليس لها جوهر وتماسك خاص بعملية الحقيقية بالتالي ، هي انتاج ما هو جديد من خلال الصراع المرتبط بوجود ذات ما / ص22// وتوصل آلان باديو الى ان الكينونة تتصف بالتعدد والكثرة المفتوحة على الازدياد ، بمعنى تظل قابلة وقادرة على استدعاء كينونات اخرى فهي اذن حسب توصيف باديو كثرة لا محدودة ، انها لا نهائية .
اقتران الكينونة بالحدث والشروط الاربعة التي لا يتم معها بمحدودية ، بل هي مفتوحة والعلاقة بين الكائن والحقائق مطلقة .
وقدم باديو توصيفاً دقيقاً عن وجود الحدث بوصفها ضرورة مهمة بفلسفته اذ يجب ان يكون هناك " حدث لكل من المجالات الاربعة واهم ملاحظة في تعريفات باديو عن الحدث والحقائق الاربعة العلم / الفن / السياسية / الحب وجود كائنة تعترف بوقوع الحدث .
اهم انجازات باديو هو " الكينونة والحدث " وهو بالإضافة ذلك يعني مفهوم الشروط وتم تفعيل هذا المفهوم بين " نظرية الرأي وكتابة الكينونة والحدث " . يبدو بأن مفهوم الذات ، جوهري ويحتل حضوراً مركزياً وله دلالات ومفاهيم عديدة في التاريخ الفكري للفلسفي ويقترن هذا المفهوم بجوانب رئيسية اخرى ، موجودة في تداول كل فلسفة ومثال ذلك كما قال باديو : علاقة الوعي بالمادة ، او علاقة الانا بالعالم ، او الذات بالواقع . وبما ان الذات في الفلسفة متنامية ومتغيرة ، متطورة " تتناسل وتتشكل " وتتكثر على امتداد تاريخ العلاقة بالفلسفة ، فان ما تعنيه الذات قابل بالتحولات وراضي بتغيرات وتقشرات متنوعة . 
واكد باديو على الدور الانساني الذي قدمه المفكر كانتور للفكر البشري بعد ما توصل الى اكتشاف نظرية المجموعات ومنح الكينونة حضوراً ممكناً التعامل معه والتفاهم واياه . وكان لهذا التطور العلمي البشري في مجال الرياضيات هو الذي قلص مسافة التباعد بين الانطولوجيا / الوجود وبين الرياضيات والفيزياء باعتبارهما حقيقة العلم وهذا الموقف العلمي هو الذي قدم انموذجاً رفيعاً في مجال العلوم وكان من قبل قد فشلت في التوصل اليه وكما قال باديو احد اسباب تدهور الفلسفة في القرن العشرين. ويتم مع كتابة المهم جداً " الكينونة والحدث " يمثل تحولاً في الفكر الفلسفي وهذا يقتضي ان يتم التعامل مع الفلسفة بعد هذا الكتاب بوصفها قادرة / قابلة بإعادة النظر . لأنها ــ الفلسفة ــ مرادفة للفكر بشكل عام .
ان الحقائق الاربعة تلزم الحدث ان يكون هو البادئ ومثل هذه الاحداث نادرة ، لأنها قليلة ، مقترنة بالحقائق الاربعة : الحدث يتقدم الحقيقية ليقدم تعريفاً وتوصيفاً عنها . 
واشار آلان باديو ان الذات امر نادر ، كما هو الحال مع الحدث الكاشف للحقيقية . ملاحظة اختلاف المفهوم الخاص للذات في فلسفة باديو عن ما سواه " فعلى اساس العلاقة الادراكية التي للذات مع العالم المحيط بها ، فأنها لدى باديو تلك الذات القادرة على تمييز الحقائق التي تجري على سياق الاحداث ومجريات الحقيقية في الشروط الاربعة . وقادرة على التمسك بها والاخلاص لها باعتبارها حقيقة وبهذا المعنى ليس كل انسان هو " ذاتاً " بل ان " الذات " امر نادر كما هو الحال مع الحدث الكاشف للحقيقة المختلف عن اي حدث اخر / ص26// .