الأدب المعاصر مدينٌ لصورة الديكتاتور!

ثقافة 2019/12/30
...

ترجمة : عدوية الهلالي 
 
أجرت مجلة باري ماتش الفرنسية حوارا مع الاكاديمي والكاتب الهاييتي داني لافيريير الحائز جائزة ميديسي للادب عام 2009 عن روايته (لغز العودة) .. والمعروف ان لافيريير يعيش في كندا منذ زمن طويل ويحمل الجنسية الكندية؛ لذا ابتدأت المجلة الحوار بسؤاله عن مدى إحساسه بمرارة النفي بعيدا عن بلاده والاستقرار في بلد مختلف تماما عن وطنه الام؟. - أنا هنا في مونتريال منذ عام 1976 حيث وصلت اليها وانا في سن الثالثة والعشرين، وشهدت فيها احداثا عديدة واحببت تناقض فصولها لكني مازلت أفتقد طفولتي كثيرا، ربما اكثر من بلدي لأنّ نفي الزمان أكثر عمقا من نفي المكان.. إنه أمر مأساوي ويمكن أن يجعل الكاتب يحترق باستمرار ..
* هل تشكر من يؤذيك على الإلهام الذي يقدمه لك؟
- للاسف، الادب المعاصر مدين للديكتاتور، ففي اميركا اللاتينية، تعد رواية الديكتاتور صنفا ادبيا قائما بحد ذاته .. هنالك رواية (حفلة التيس) لماريو فارغاس يوسا، ورواية (مئة عام من العزلة) لغابرييل غارسيا ماركيز التي استحق عنها جائزة نوبل، فضلا عن روايته (خريف البطريرك) التي يقدم فيها صورة كاملة للديكتاتور، اما بورخس فلم يحصل على جائزة نوبل لأنّه صافح الديكتاتور بينوشيه.. أنا افضل والدتي على الديكتاتور فقد قدمت لي الكثير عبر اضاءة ذاكرتي كما عشت معها ومع خالاتي سنوات من المتعة الساحرة التي ابعدتني عن الديكتاور، فلم يرسخ في ذاكرتي لأكتب عنه ..
* لقد كتبت ذات مرة : "لا شيء يدمّرنا اكثر من العيش بسعادة في ظل الديكتاتور؟
- نعم، يريد الديكتاتور منك ان تكون مهووسا به، وبأن يكون مركز افكارك.. في ما يخصني، كانت جارتي الجميلة ليزا هي مركز افكاري.
* مع ذلك، كان الديكتاتور هو الذي اجبرك على مغادرة بورت او برنس؟
- نعم، لقد حذرني أحد الضباط بعد اغتيال صديقي الصحفي قائلا بأن اسمي موجود في القائمة التالية وان الشرطة تلقت امرا بتصفيتي، لذا اضطررت الى مغادرة بلدتي قبل ان اودع اصدقائي .. نصحتني والدتي بذلك لابتعد بدون أن أعرضهم للخطر ..
* ألم تلتحق بك والدتك؟
- لم ترغب والدتي أبدا بمغادرة هاييتي، حتى عندما اصبح والدي نائب وزير ثمّ سفيرا في بوينس آيرس .. لقد ضحت بعلاقتها بزوجها الذي أحبته كثيرا من أجل بلدها ومن أجلنا.. عندما دعوتها لتلحق بي قالت لي: "نحن لانترك الحصان العجوز عندما يمرض"، اذ كانت تشعر بالمسؤولية تجاه بلدها حتى لو تتمكن من تقديم اي شيء له ..
* خلال الجلسة الافتتاحية في الاكاديمية الفرنسية في العام الماضي، تحدثت عن تجربتك في بورت او برنس حيث عشت في عام 2010 الزلزال الرهيب الذي أودى بحياة اكثر من 230 ألف شخص؟.
- الزلزال هو الفوضى المطلقة كما قال فولتير.. في الخارج، نرى صور الزلزال على شاشات التلفزيون.. نرى المنازل تتهاوى والناس يموتون، اما عندما نعيش الزلزال فالامر اكثر ايلاما .. كانت لدينا تجربة غير مسبوقة مع الموت، ولدينا انطباع بان كل شيء يتهاوى فوقنا.. الزلزال لايحترم الموتى اذ يبدو الامر وكأنّ الارض تطلق الشتائم وتلفظ سكانها!!.
* كيف بدأت حياتك المهنيّة؟
- عندما وصلت الى مونتريال، التحقت بعلم الاجتماع في جامعة كيبيك لارضاء والدتي.. اشتريت الكثير من الكتب وعشت في حجرة قذرة وكنت اعمل طوال الليل في تنظيف ارضية وحمامات المطار بعد ان قضيت طفولتي مدللا ومحاطا برعاية وحنان والدتي وخالاتي. 
* عندما كتبت كتابك الاول .. هل كنت تبحث عن النجاح؟
- كنت أكتب لأغيّر طبقتي الاجتماعية.. لم أعد أرغب بالبقاء خلف زجاج مظلم .. كانت كل ثروتي حروفي التي ساعدتني على كتابة الكتب والسفر وعدم دفع وجبة طعام او تذكرة طائرة .. يمكن ان يمنحنا الادب المال لكنه لاينجح بلا حب، فأنا ارسل من خلاله رسائلي لكل انحاء العالم ولولا حبّي له لما نجحت في ذلك ..
* من كنت تريد أن تكون عندما كنت صبيا؟
- كنت وسأبقى شخصا مجهولا وسط الحشود .. شخص يحاول بحرص ان يغيّر عالمه الداخلي الى عالم آخر ويحاول ان يتغيّر الى شخص أفضل ..
* فمن هو بلدك الحقيقي؟
- بلد الكاتب الحقيقي هو مكتبته .. يسافر فيها الى كل مكان ويعيش كل التجارب .. 
عن مجلة باري ماتش الفرنسية