أحلام العذراوات والمازوشية

ثقافة 2020/01/04
...

بغداد/ مآب عامر 
تنقل ابتهال بليبل في كتابها الجديد “نيكروفيليا بشريط ملون” تجارب مجموعة من النساء مررّن عابرات في حياتها وذلك في (18) مقالة و(17)
نصاَ شعرياً. 
وتركز المقالات فضلا عن النصوص الشعرية ضمن رؤيا فلسفية على حياة الفتيات البسيطات والنساء الكادحات وما يتعرضن له من جوانب تذكير الأنوثة وممارسات قمعها والتشجيع على أن
 تصبح أكثر خشونة.
نساء بليبل في “نكيروفيليا بشرط ملون” يعانين من الخضوع المفرط، ويتعرضن للسادية في جميع مفاصل حياتهن ولا يرينها هكذا، إذ تمارسن “المازوشية” ويورثنها لبناتهن وأحفادهن كنوع من ثقافة وتقاليد قائمة واجب اتباعها، ففي هذا الكتاب لا نرى المرأة المضطهدة في الخارج، بل في داخلها، ذاتها، أيضاً، وترى بليبل أن بعض من هاته النساء أي و بعد أن تسلط الأضواء على جانب السرير المظلم واللزج من حياتهن ما هن إلاّ دمى أو جثث، كما وأن حياة المرأة ليست جميعها بهذا الظلام، حيث لم تتجاوز بليبل المراحل العمرية الزاهية وأحلام العذراوات الوردية ذات الطابع الرومانسي عبر مقالاتها
ونصوصها في الكتاب. 
وفي مقال يحمل عنوان الكتاب نفسه “نيكروفيليا بشريط ملون” تقول بليبل في بعض منه: ( لطالما نعاني من التجاهل، الذي قد نراه نوعاً من التعذيب النفسي، حتى وإن أختلفت طرقه ووسائله، إذ تستهدف أن تدمر صورنا الشخصية وذلك عن طريق الغاء شعورنا والتحكم بنا، مما يجعلنا بحالة من العجز والتراجع النفسي وشعور بالانعدام- التجاهل المتعمد هي طريقة ترعيب وتلذذ بتعذيب الآخر، كما هو الحال في –السادية- فهي تقوم على نفس المبدأ.. كما أنها سبب في إصابة كثير من الأشخاص -بالنيكروفيليا- التي قد تشبع رغباتهم في أن يكونوا شيئاً مذكوراً.. المرأة التي تسكن في مقبرة بالعاصمة بغداد أيضا، كانت تطمح في أن تشبع رغبتها في أن تكون شيئاً، ولكن أين؟، بين الأموات وقبورهم، وكأنها تتحدى الأحياء.. تحسُ وأنت تتحدث معها بموتى القبور وهم ينصتون لها، وعندما تقرّر أن تأخذ صورة، يحصل ما لا تتوقعه.. تشعر فجأة بشيء غريب يغمرك في تلك اللحظة بالذات.
 فما أن تستدير وتنظر، حتى ترى القبور أمامك، خلفك، تحت أقدامك، وكأنّ مسافات عمرك التي أجتزتها قد تجمعت كلها
 في جثث).
أما في نص شعري يقع من ضمن مقال بعنوان “ البورنو المسموح “ تقول بليبل فيه: (صاحبة البيت التي رأيتها تحت شرفة مزينة بالفقد/ في بقعة ناجية من سوء السمعة/ قبل سنين مضت/ انبجس زبائنه من شقوق/ صغيرة في سقف غرفتي الزجاجي/ نظراتهم: تحدّق فيّ ولا تراني- تمامّا- كأبطال الكوابيس/ الكوابيس مخيفة على هيئة رصاصات/ أو سكاكين، تلج جسدك./ في وسعك أن ترى ما لا يُفسر، وتتمادى في ملاحقة المعنى. / في منامي، عالقة كنتُ البارحة كطائرة من الورق/ المقوّى، وقد تدلّت/ جثتي حتى صرتُ هلامية في فضاء يتسع ويضيق. / بحركة الطائرة-المألوفة- عند تطوّيقها/ بالأذرع، أنصتُ، لارتطامي-بشماعة- علاّقة الثياب/ ومعطفي المنسي، الذي يُفقدني الصّدأ في حلقاتها الحديدية/ وجهي.. والجدار الذي لم يعرف بَعد صبغه بطلاء خفيف ظليّ. / كنتُ على الجانب الآخر لا أكفّ عن التساقط مع غبار الضوء من شرفة نافذة لا أعرفها. 
/ لقد كان كل ذلك، قبل أن يخبط رأسي حافة السرير/ وكأنّني أستعد لاختراق الجدار بعيداً عن هذا الكابوس). 
وفي نص “ثقوب لزجة” تقول بليبل في بعض منه: (لا أظنّها المستشفى التي اتفقنا على.. زيارتها/ ولا أظنّها الردهات المصبوغة بحدس الأطباء وحسرات المراجعين.. / لقد سقطت (وصفة) علاجها على مرمر الندم المطهر بالديتول/ كان حلمي قد سقط قبلها، فنزلت بحثاً.. عنه.. وعنها. / ضجّة صاخبة كمتاهة تدور في نفسي/ كوجهها المدوّر الذي يستفزّ حناء كفّها كلّما مسحتْ العرق البارد عن خدها/ حيث الخال العتيق/ هي التي تشبه القوس قزح.. في أفق طفولتي/ هي الآن.. تحرّك قدر القلق بملعقة الأمل، وأنا/ أنظر لبخاره بوجع مسافر، تخطو / أمامي.. قوسنا باهت: فلم أر إلاّ أطراف العباءات السود والشّاش الطبي. 
/ في الانتظار../ حدثتني سيدة نحيفة لا تنجب/ عن أشباح تُخشخشُ كأغصان يابسة تحت أقدامها/ عن حروب اللذة المفتونة بإحراق داخلها، عن اشتباك/ الرطوبة -بلا هدف- واندفاعها لأداء فروض الهزيمة/ ودور فستانها الذي يلتصق – عادة- ببطنها/ وعن القرف الذي تشعر به من شراب (مرارة الذئب)../كانت تتجرعه مع أعشاب هشّة في غرفتها./ إنّها تجعل حملها متاحاً/ بمجرّد أن تخترقها مرارة التيه الذي يهرول على امتداد النذور/ النذور التي تتسلح بها من الألم كلّه والعقم.. كلّه. / بردهات مزدحمة بعاقرات ما أوحش أن تجلس.. / صدفة نظراتك على بطونهن تلمع كدموع وداع/ تستسلم لاحتمالات القسوة، لندم يزهر تحت وطأة الحبّ.. والفقد. /هكذا سأصفع الأبواب/ يلزمني الهرب الآن.. الآن/ ويلزمهن السقوط المدوي على ضعفي) 
جاء الكتاب في (214) صفحة من القطع المتوسط، الصادرعن منشورات أحمد المالكي.