هل يمكن كتابة تاريخ الشرق الأوسط منذ الأزمنة القديمة حتى اليوم ؟ منطقة النزاعات القديمة والحديثة والمسارات المتعرجة والبترول والاديان
التاريخية الكبرى .
في كتاب جورج قرم ( تاريخ الشرق الأوسط منذ الأزمنة القديمة حتى اليوم) يسرد احداث الشرق الأوسط من وجهة نظر حضارية واجتماعية وثقافية ليشكل ذاكرة قصيرة، ليتسنى لنا الحكم على مجمل المتغيرات السياسية والثقافية والإنسانية في تاريخ الشرق الاوسط ، الكتاب يتكون من ثلاثة اجزاء.
هضم الثقاقات
في الجزء الأول، يسرد التاريخ القديم فيستعرض المماليك والغزوات في التاريخ الما قبل الميلادي حتى القرن التاسع عشر ثم يعرض تطور الشرق الأوسط على المدى الطويل، ويرى أن الشرق شرق والغرب غرب ليس مع ظهور الإسلام، بل قبل ذلك بكثير حين انفصل النساطرة
عن اليعاقبة.
وهو يصف التواصلات والانقطاعات التي ميزت مراكز الحضارة الرئيسة في الشرق الأوسط تابعة للركائز الجغرافية التي يسهل التعرف عليها، من الأناضول إلى الهضبات الإيرانية المرتفعة، وشبه الجزيرة العربية، وبلاد ما بين النهرين، والهلال الخصيب، ومصر، التي شكلت على مر تاريخها أمم متعددة ويرى ان (جيولوجيا الثقافات) تشكل في الشرق الأوسط على وفق الركائز الجغرافية الإقليمية الكبرى ، لها خصائصها الثقافية والألسنية. كانت الفتوحات في القرن السابع الميلادي، لم يلغ خصائص الحضارات السابقة، بل هضم الحضارة الإيرانية، والتركية وحتى الثقافة اليونانية - الرومانية، وكذلك الثقافتان الآرامية والسريانية والثقافة الفرعونية، إذ بقيت من خلال الترجمات وثبات الكنائس الشرقية المختلفة والكثيرة جدا.
جغرافيات متغيرة
في الجزء الثاني من الكتاب ينطلق من بداية القرن التاسع عشر حتى بداية الألفية، في هذا الجزء يمسك قرم محاور مهمة تشرح الوضع الحالي في منطقة الشرق اﻷوسط وتجيب على الكثير من التساؤلات من اتفاقية سايكس بيكو، مرورا بثورة الشريف حسين، إلى دور روسيا بالمنطقة ودخول أميركا في سياسات الشرق الأوسط، مع حروب العرب ضد إسرائيل حتى الاحتلال اﻷميركي للعراق. حاول جورج قرم دمج الجغرافيا مع الأحداث السياسية والاقتصاد في محاولة لفهم تاريخ الشرق اﻷوسط، وتفسير جغرافيته وتاريخه قديما وحديثا بشمولية
وموضوعية.
يركز قرم على التحولات والعوامل المغيرة والمتغيرة، والأسباب والنتائج، والتشعبات والارتباطات، وتبدل موازين القوى وتزعزع البنيان الاقتصادي وثباته. مستعرضا نتائج الاختراق الاستعماري الأوروبي، محللا أسباب انحطاط الشرق الأوسط منذ القرن الثامن عشر وصعود دول الأمم الأوروبية كما يستعرض النجاح التركي النسبي في إعادة بناء دولة جديدة على أنقاض السلطنة العثمانية، وهو نجاح يتناقض مع فشل القومية العربية، والتشنجات الإيرانية وهي مصدر للتوترات الجغرافية - السياسية في المنطقة. ويعالج النزاعات الأساسية والحروب المتكررة التي تعانيها شعوب المنطقة.
انحطاط تاريخ المجتمعات
القسم الثالث من الكتاب يحاول استقصاء اسباب استمرار انحطاط حضارات الشرق الأوسط والصعوبات التي تواجهها هذه المنطقة من العالم، على عكس مناطق أخرى، في إيجاد السلام والاستقرار. تتجاوز هذه المقاربة التفسيرات التبسيطية ، وخاصة تلك المتعلقة بالديانة كمحدد حصري لهوية وتاريخ مختلف شعوب المنطقة، وأيضا كتفسير وحيد للاضطرابات .
المؤلف لا يحصر تحليلاته واستنتاجاته بالمعيار الديني الذي درج المؤرخون على اتباعه قاعدة منهجية، ولا على التعقيب التاريخي للعصور. فالتاريخ متداخل والسرد التاريخي يعتمد على الكثير من المعايير الموضوعية والوضعية، مثل الديموغرافيا والثقافة واللغة والاقتصاد والتنظيمات السياسية والاجتماعية.الجغرافيا التي صاغت تاريخ هذه المنطقة، فالموقع الستراتيجي للشرق الاوسط من العالم، عند تقاطع القارات الثلاث : الآسيوية والأوروبية والأفريقية، إضافة إلى أن احتياطاتها من النفط والغاز جعلت منها رهانا للمنافسات الدولية .
سرديات الجغرافية،
و الديموغرافيا
السرد التاريخي في كتاب قرم يعتمد الكثير من المعايير الموضوعية والوضعية، مثل الديمغرافيا والثقافة واللغة والاقتصاد والتنظيمات السياسية و الاجتماعية. ليكشف أنماط صيرورة تاريخ منطقة الشرق الأوسط التي شغلت ومازالت تشغل قيادات العالم السياسية وتجيب على أسئلة ملحة: متى ستدخل المنطقة حالة الاستقرار وكيف سيتم القضاء على عوامل العنف التي تهزها بشكل متواصل منذ مئتي عام؟
قرم يوفر لنا عناصر معرفة ليست أسيرة المعيار الديني بوصفه العامل المحدد الوحيد للحقبات التاريخية وميزاتها.
فهناك عوامل كثيرة أخرى هي في الواقع على القدر نفسه من التحديد مثل البيئات الجغرافية، وتطور الديموغرافيا، وتشكيل المجموعات الألسنية والثقافية الكبرى من خلال الغزوات الكثيرة التي عرفها الشرق الأوسط على امتداد تاريخه.فقد شكلت المنطقة مهد الديانات التوحيدية الثلاث، وطبعت هذه ببصماتها، ليس الشرق الأوسط فحسب، بل أوروبا أيضا وأجزاء واسعة من آسيا وأفريقيا.
لكنها لم تنجح مع ذلك في توحيد أو ضم شعوب مختلفة سوى في حقبات
متفاوتة.
حتى في قلب الطموحات الشاملة شكلت الانشقاقات والهرطقات والتفسيرات المتباعدة للدين ثابتة التاريخ الديني والسياسي للمنطقة.لقد جعل هؤلاء الشرق الأوسط منطقة غريبة الأطوار بشكل خطير لدى الغرب، بتجميده في حضارة بائدة لم تتغير عبر العصور، وبنفي التعددية اللغوية والجغرافية والدينية، وتلتقي هذه المقاربة في شكل موضوعي مع تلك التي تقوم بها الأصولية الإسلامية نفسها. مما بات علينا حذره من الجانبين.
ولد جورج قرم بلبنان العام 1940 خريج معهد العلوم السياسية – الفرع الاقتصادي إجازة في القانون 1962 وجائزة في الاقتصاد السياسي 1961 ودبلوم الدراسات العليا في القانون 1966 ودكتوراه دولة في القانون الدستوري وكان موضوعها ( تعدد الأديان وأنظمة الحكم) .