ثرثرة الروائي والناقد !

ثقافة 2020/01/10
...

حسب الله يحيى 
 
تعد الرواية من أصعب وأهم فنون الكتابة، لما تحمله من رؤى وأبعاد فكرية ومخيلة في رسم عوالم الشخصيات وادارة مسارها.. 
وهي سلسلة من التجارب الخصبة والثقافة الواسعة والقاموس اللغوي المتجدد.
إلا ان ما نشهده اليوم في حياتنا الثقافية؛ طغيان كتابة الرواية على الاجناس الادبية الأخرى.. 
فبينما كنا نجد كثرة من الشبان يكتبون ما يسمى (الشعر) وهي مجرد كلمات مرصوفة وعابرة وصور انشائية مستهلكة؛ نفاجأ اليوم بان كتابة الروايات باتت تأخذ قسطاً وافراً من اهتمامات شبيبتنا وشيوخنا على حد سواء.. حتى اصبح كل من يمتلك مالاً، يتوجه الى احدى دور النشر العراقية أو العربية ويقوم باصدار رواية لا تقل صفحاتها عن (150) صفحة ويتجاوز بعضها (600) صفحة 
احيانا.. 
غير أنّ قراءة معظم هذه الاعمال (الروائية) لا يمت بصلة الى الفن الروائي ولا عالم السرديات الحديث.. 
وإنما نجد كتابات تتعلق بتجارب عاطفية في الغالب الأعم ومشكلات شخصية كتبت كما لو ان كتابها (كاتب عرائض) يجلسون أمام المحاكم.. فلا دخل لهم بتصوير الشخصيات وتداعيات المحن وكيفية الكشف عن السايكولوجيات والشخصيات ولا محيطها الخارجي والداخلي والاجواء المحيطة بها ومديات آفاق تلك الشخصيات.. 
إنّ ما يهم هذه الفئة من (الروائيين) تتعلق بالتباهي الاجتماعي الزائف الذي يطغى على حياتنا اليوم في مرافق الحياة 
كافة.. 
وصار (النقد) الاخواني يسهم في استشراء هذا الزيف ويعلي مرتبته بعيداً عن النقد الموضوعي الصادق والممتلئ والعارف بادوات النقد وابعاده ووظيفته.. 
هذا الحال جعل من الفن الروائي يتدنى ويصبح مجرد ثرثرة لا تجد فيها جملة مشعة، ولا صورة بهية، ولا حضورا واضحا لاية شخصية، وإنما هناك طفح من الكلمات.. كما لو انها طفح جلدي على سطح الاشياء ويسهم النقد في اتساع رقعة هذا النمط الفج من الروايات التي يوزعها (مؤلفوها) بين الاصدقاء والمعنيين فيما ورد فيها من شؤون وشجون ويستقبلها (النقاد) بوصفها اهداءات يتكرّم اصحابها باهدائها اكراماً لهم للكتابة عنها ووصفها اوصافاً لا يعرفها اولئك الذي تكفلوا بكتابتها وطباعتها.. 
وتتحمل العديد من الصفحات الثقافية في صحفنا جزءاً من المسؤولية في هذا الشأن عن طريق نشر هكذا مقالات نصفها (نماذج نصيّة) ونصفها الآخر تمجيد وإكبار في كل ما هو استهلاك للكلمات الثرثارة التي لا جدوى منها، ان لم نقل انها استهلاك للوقت الذي يمكن لنا استثماره في قراءات جادة ورصينة من شأنها ان تجد آفاقاً جديدة تجدد مسار حياتنا وتفتح امامنا عوالم  الجمال والمتعة الراقية والوعي 
المسؤول.
لقد آن الأوان أن نصارح بعضنا ونقف للحيلولة دون انتشار هذا الادب الفج الرديء، والذي يضيع فيه الجيد الفني والفاعل من الادب المسؤول والمتجدد.. 
والامل ان يكون نقادنا اكثر حرصاً على مواقفهم ووعيهم ودرايتهم وتمييزهم بين ادب مجتهد وادب كسول مستهلك، وهي اولى واهم مسؤولية لهم.