افتقاد

ثقافة 2020/01/12
...

تأليف : بن لوري* ترجمة : عبد الصاحب البطيحي
 
 
 
في احدى الصباحات يستيقظ الرجل ليجد انه قد فقد قدميه. 
يقول : يا إلهي ‍! 
ينظر الى البقية الباقية من أطرافه، يمسكها، بيد أنّها لا تؤلمه. 
يقول : حسن، عليَّ ان انطلق لعملي. 
ينهض، يغادر سريره مرتبكاً.
فجأةً، يشرع بالضحك. 
يقول : اظن ان ليس عليَّ ان اشغل بالي بأمر الأحذية.
في مجال العمل لم يلاحظ أحد ما حدث لقدميه، لكنه يظل يشعر بالمعاناة في سيره، فهو يعرج، لكنه يفلح في ترتيب اعماله على الرغم من صعوبة الاحتفاظ بالتوازن.
وفي نهاية يوم العمل، يشعر بالاعتزاز على نحو غريب. 
يقول: مما لا شك فيه كان ما عملته هو افضل عمل مارسته على الاطلاق.
ثم يعود الى البيت يعرج.    
يستيقظ في صباح اليوم الثاني ليجد انه يفتقد ساقيه فيرفع بصره يحدق في سماء الغرفة.               يقول: ها .. ان الأمر يسوء. 
يستلقي هناك في محاولة للتفكير في خطة عمل بديلة. 
يقول في آخر الأمر: اظن انني سأسير معتمداً على يديَّ. 
يسير على يديه في غرفة الجلوس  اختباراً، تنجح الخطة لكن تظل راحتا يديه توجعانه. 
يقول: أظن أن عليَّ ان أغطي يدي بقفازات.               
 ومن حسن حظه انه وجد قفازات في جرارالنضد!  يسأله الناس اثناء العمل: 
هل فقدتَ وزنك؟ أنت لا تبدو كما كنت في العادة. 
يقول مرتبكاً: كلا  على الرغم من انه، على نحو ما، يقول: أظن انني فقدت شيئاً منه. 
مرة أُخرى ينجز عمله على نحو جيد، لكنه يواجه مشكلة حقيقية تتمثل بقفازيه، إذ كان عليه ارتداؤهما كيفما كان ثم خلعهما ليواصل العمل.
 وبهذا عليه ان يقوم بهاتين الخطوتين مما يسبب له الاحراج. 
يردد مع نفسه: لكن، أتقدر ان تفعل غير ذلك؟ أظن ان هذا هو ما عليه ان يكون.             ينهض في اليوم التالي ليجد جسده لم يبق منه إلّا الرأس يحاول ان يرى جسده فيرفع رقبته لينظر أسفلاً، لكنه يعجز عن القيام بذلك إذ يكتشف انه لا يملك رقبةً، لذا يتخلى عن المحاولة. بدلاً من ذلك يظل مستلقياً على فراشه، رأس على الوسادة يحدق مباشرة في السقف.         
  « حسنٌ . ها نحن هنا « يردد القول مع نفسه ويكمل «ثم هنا السقف» 
يرن جرس التلفون قرابة الساعة التاسعة والربع . يفكر: ربما هذا هو العمل. 
يشعر بالتعاسة كونه غير قادر على التقاط السماعة. لكن ليس في اليد حيله فهو مجرد  رأس بلا جسد.
في الساعة التاسعة والثلث يرن التلفون. ينظر اليه، وهو على المنضدة، يعبس. يصيح بصوت عالٍ متألماً: أنا لستُ في تمام الصحة! 
لكن التلفون يواصل الرنين.                   
يفكر: اللعنة. لا يستطيع المرء ان يتحمل هذا الضجيج. 
يهز رأسه قليلاً ثم يهبط من السرير، يصطدم بالمنضدة فيسقط  التلفون. 
«مرحباً» يقول عبر السماعة «انا مريض». 
يأتي الصوت عبر السماعة: 
«النجدة ! اطلب المساعدة، انا مُحاصَرٌ»        
 يتساءل الرجل “ ماذا ؟ مَن المتكلم ؟ 
يجيب الصوت “ انه أنا ، ايها الأبله ! رجاءً ، عليك ان تخرجني من مكاني هذا” ! 
الصوت مألوف، هكذا يبدو لي. 
يسأله الرجل: أي مكان تقصد؟  
لكنه لا يسمع سوى صوت مختنق.
يقول: آه، يا إلهي!
يتطلع نحو الباب، يتدحرج ويضربه برأسه، بيد أنّ الباب مغلق وهو عاجز عن الوصول الى المقبض. بعدئذٍ يرى الشق الممتد في الأسفل. يفكر: 
آه لو بقدرتي الانفلات من خلال ذلك الشق. 
يحاول ان يسطّح نفسه. ها هو حقاً يبذل جهده، وفي النهاية، وعلى نحوٍ مفاجئ، ها هو أسفل الباب – ليس هناك من رأس ، بل هو روح وحسب. 
يحلق داخل الغرفة، لم يعد إلّا هواءً! 
يفكر: لم أكن أعرف ان الأمر سيؤول الى  حالة كهذه. 
يدفع الباب ويخرج الى الشارع. 
يفكر:  أنا قادم! 
يطوف عبر المدينة، يرى العالم  – كل أُمرئ يتخذ هذا الطريق أو ذاك . الشمس مشرقة، وفي الفضاء هناك طيور.
يفكر: أمامي هناك المكتب.
بعدئذٍ يطير إلى الداخل.
ها هو في داخل المكتب يجلس خلف المنضدة، يرتدي رداءً رمادياً، يمكث ساكناً على نحو مطلق وسماعة التلفون لما تزل في قبضته.
 يبدو بحالةٍ مزريةٍ، فهو مخدرٌ وشاحبٌ.
يفكر: هيا استمر. 
ينساب الى الداخل.. يواصل التفكير: 
حرّك عضلاتك! انت قادر على ذلك! 
ثم يَلمُّ أكمامه الى الأعلى ويأخذ بالعمل.    
 
* بن لوري : كاتب امريكي  ولد عام 1971 ، يتميز باسلوبه الخاص ، له مجموعتان قصصيتان هما : حكايات الليل والنهار و حكايات السقوط والارتقاء   ,وقصص اخرى لم تأتلف في كتاب بعد .