.محمد غازي الاخرس
. وأما الهامشي أو المهمّش ففرد أو جماعة تشعر بالاستبعاد. شخصيا لطالما كتبت عن المفهوم حسب فهمي له، وهو فهم قد يكون مرتبكا لأنني أنا نفسي اعتقدت دائما أنني عشت حياتي في الهامش قبل مرحلة ما بعد 2003. الأحرى أنني كنت وأنا أكتب عن الهوامش، إنما كنت أتحدث عن نفسي أو عن الجماعة التي انتمي لها، سواء كانت جماعة اجتماعية او ثقافية. مع هذه المحلية الفاقعة، فإن "الهامش" مفهوم عالمي عرفه الفكر الحديث وأشبعه بحثا، وهو يعود، حسب المؤرخين، إلى القرن السادس عشر، وأصله مما "كان يكتب أو يطبع على هامش الصفحة أو حاشيتها". ثم توسعت الدلالة لتشمل الاقتصاد فكان المصطلح يعني في القرن التاسع عشر كل ما يرتبط "بحافة أو حد أو تخم أو طرف".
ثم قفز المفهوم قفزته الثقافية الكبرى مع بدايات القرن العشرين حين بدأ يدل على فرد أو جماعة اجتماعية "معزولة أو لا تتواءم مع المجتمع أو الثقافة المهيمنة،"، وينظر إليها على أنها توجد على حافة المجتمع أو الوحدة الاجتماعية. وغالبا ما ترتبط هذه الجماعة جغرافيا بالأطراف كما في أحزمة الفقر المحيطة بالمدن عادة. في بغداد مثلا ارتبطت الهوامش بـ(خلف السدة) سابقا، وهي ترتبط اليوم بما وراء سداد أخرى رمزية. ثمة الشيشان وسبع قصور، المعامل وحي التنك.
من الشرق إلى الغرب ومن الجنوب إلى الشمال تمتد الهوامش ويعيش المهمشون اقتصاديا واجتماعيا. ثقافيا، لا شيء يختلف سابقا وراهنا. في الماضي كان مثقفو بعض الانواع الأدبية مهمشين من أمثال كتّاب قصيدة النثر في فترة معينة أو القصيدة الحرة قبلهم، والطريف أنه في أيام ما، زعم العموديون أنهم همشهوا وصاروا ينادون بالمظلومية! بالمقابل، فإن أبناء المدن القصية كانوا وما زالوا العينة الأبرز للمهمشين، لا بل أنه حتى في ثقافات هذه المدن الطرفية، ينقسم الناس والمثقفون إلى نوعين، فهناك ناس المركز يقابلهم ناس الهوامش.
السؤال هو: ماذا لو أن الهامشي انتقل إلى المركز في لحظة ثورية مباغتة كما جرى بعد عام 2003 ؟ كنت قد كتبت عن هذا السؤال في طيات مقالات عديدة لكنني اليوم مهتم بتصحيح بعض ما خامرني وقتها. أعني أن الهامشيين حين يقفزون إلى المركز فإن من المرجح أنهم لن يأتوا ببراءتهم نفسها. لعلهم يأتون محملين بعقد التهميش الطويلة وهذا يؤثر جوهريا في سيرتهم ويبرزهم بصورة مختلفة تماما عما نتوقعه منهم أو عما كانوا يأملونه هم أنفسهم من أنفسهم. فكرة معقدة بعض الشيء تحتاج شرحا مفصلا قد لا يرضي من كان في الهامش وأنا أحدهم.
هل نجرؤ على تعرية أنفسنا؟ لا أظننا شجعانا بما يكفي لفعل ذلك ويا عجبي!