محمد جبير
أشرف العقد الثاني لما بعد 2003 على الانتهاء، مخلفاً وراءه الكثير من الإنتاج الأدبي بمختلف صنوفه نثراً وشعراً، وبما حملته من بنى جمالية مختلفة، قد تكون في بعض الأحيان متقاطعة مع ما سبق ذلك من تاريخ ، أو امتداداً له بخصوصيات كُتّاب واصلوا العطاء في المرحلتين الما بعد والما قبل، وذلك ما يوحي بإيجابية الفضاء الثقافي في تفاعل المختلف والمتقاطع من أجل رسم الصورة المتكاملة للمشهد الإبداعي العراقي.
شكّل المتغير السياسي حدّاً مفصليا بين مرحلتين، على مختلف الصعد وفي مختلف الميادين، كما أسهم ذلك المتغيّر في خلق بيئة ومناخ سياسي مختلف فكراً وتوجهاً عما سبق، ووجد بيئة داعمة ومساندة لهذا المتغيّر في مقابل بيئة رافضة ومتحفظة عليه، وهو الأمر الذي انعكس بشكل أو آخر على المنتج الأدبي في الكثير من السرديات العراقية التي كتبت في هذه المرحلة.
وأسهم أيضاً في تفتيت هيمنة المركز على توجهات الإنتاج الإبداعي إلى صالح التوجّهات الجمالية والإبداعية للأطراف، مما أدّى إلى حضور أسماء ونتاجات إبداعية في فضاء المشهد الإبداعي ليشكّلوا إضافة مميّزة للحركة الأدبية، إذ أدّى تفتيت هيمنة المركز إلى منح الكُتّاب الحرية الواسعة في التفكير والبناء الفني خارج الأطر التقليدية التي كانت سائدة في مرحلة الما قبل وفق الأطر الايديولوجية التي سادت في تلك المرحلة، فقد حقّقت الحرية انتصاراً للجمالي على الايديولوجي على الرغم من وجود الصوت الايديولوجي بأفقه الإنساني وليس الإطاري أو الحزبي، وكذلك تغيّب دور الرقابة على المطبوعات وإلغاء القوانين التي كانت تنظّم حركة إنتاج المطبوع، ورفع الغطاء عن المؤسسات الإبداعية من إطارها الرسمي التابع لمؤسسة الدولة إلى إطار منظمات المجتمع المدني لتكون فاعلة ومؤثّرة بما تقدّمه من منجز إبداعي وحضور مميز في الفعاليات المجتمعية والحراك الاجتماعي الفاعل والمغيّر من دون انتظار التوجيهات والتعليمات الرسمية، بمعنى آخر، إنّ هذه المنظمات الثقافية خرجت من إطار قرارات السلطة السياسية إلى دائرة القرار الإبداعي والثقافي النابع من احتياجات شريحة
ثقافية .
هذه المتغيّرات وجدت لها مساحة واسعة في السرديات العراقية في التعبير عن هذه المتغيرات في شتى توجهات تلك الكتابات، سواء كانت مع المتغيرات أو ضدّها، فإنّها عكست الواقعي والاجتماعي وما جرى من حوادث في السنوات السابقة، مما أفرز ملامح اتجاهات إبداعية في السردية العراقية، ترسّخ بعضٌ منها كاتّجاه، وبقي بعضها يراوح بين الرسوخ والاختفاء، وينتظر من يؤسس له ليصبح اتّجاهاً بملامح
خاصة .
إنّ رصد المتغير الجمالي في السرديات العراقية في هذه المرحلة التي شهدت كمّاً انتاجيا هائلا مختلف المستوى من الناحية الفنية، ليس بالأمر الهيّن، وإنما هو صعب جدا ولا يخضع للاجتهادات النقدية الفردية على الرغم من أهمية تلك الاجتهادات والمساهمات النقدية في توضيح تلك المتغيرات، فقد برزت في هذه المرحلة عدّة اتّجاهات إبداعية، أسهمت في رصد المتغيّرات السياسية والاجتماعية برؤية جمالية متميزة، وانفتحت على فضائها العربي، وحققت حضورا متميزا في المسابقات الإبداعية وحصدت الجوائز المتقدمة على المستوى الإبداعي كالفنون الإبداعية المختلفة، ولم تقتصر على السرد فقط، وإنّما ذهبت إلى المسرح والشعر وأدب الرحلات والفنون المرئية والسمعية، وهو الأمر الذي يوضّح مدى استثمار المبدع العراقي لمناخ الحرية على الرغم من وجود الخشية والخوف من الأطراف التي تتربّص بالحرية أو النيل من المشروع التحرري الإبداعي.