الوسواس القهري مرض يجلد الذات ويقوي تسلط الأفكار

ريبورتاج 2020/01/27
...

بغداد/ رلى واثق
 
منذ اشهر قليلة بدأت تصرفات (ت، س) بالتغير، كان التغير بسيطاً تمثل بالتدقيق في تنظيف المنزل  ثم تعدى الى الشك بوجود النمل في اركان دارها، ليتطور الى الاغتسال لمرات عدة بسلك معدني حتى تخدش جسمها، وتطورت الى الشك بزوجها وافراد اسرتها لتتهجم على كل من يصادفها وتتهم بالجنون او الكفر، هذا مااكدته والدتها التي كانت تجلس بعيادة الطبيب النفسي لانتظار دورها وعرض حالة ابنتها بعد أن يأست من عرضها على المشايخ".
وتضيف والدتها :"انخفض وزنها الى 40 كيلوغراماً لرفضها تناول الطعام وتمادت بذلك انها لا تنام اطلاقاً مكتفية بترديد آيات قرآنية ولا تتقبل الاقراص المهدئة التي وصفها الطبيب".
تركتها في عيادة الطبيب تترقب مصيرها ومصير ابنتها التي اطفأت انوار منزلها الذي رسمت احلاماً لتعيش فيه مع اسرتها لتتجه تارة للاطباء واخرى للمشايخ. 
الاضطرابات المرتبطة بالقلق (الاضطراب الوسواسي القهري) هو نوع من  الاضطرابات المرتبطة بالقلق يتميز بأفكار ومخاوف غير منطقية تؤدي الى تصرفات قهرية.
هذا المرض من الممكن أن يصيب الانسان وبمختلف المراحل العمرية، اذ انه قد يظهر منذ الطفولة، ولكن نتيجة الاهمال يتفاقم لتكون حالة مستعصية.
الى ذلك بين المختصون الاعراض التي ترافق هذا المرض والاسباب، مجمعين على ضرورة اتخاذ الامر على محمل الجد والسعي لعلاج المصاب في وقت مبكر.
 
أعراض المرض
الاعراض الوسواسية هي افكار وتخيلات متكررة، عنيدة لا ارادية تتسم بأنها تفتقر للمنطق، وتتمحور هذه الوساوس، بشكل عام حول موضوع معين كالخوف من الاتساخ والتلوث، والحاجة الى الترتيب والتناظر، وافكار وتخيلات، ورغبات عدوانية، هذا وان تلك الاعراض تتضح بخوف المريض من مصافحة الاخرين، او لمس الحاجيات التي لمسها آخرون قبله، ولديه شكوك كثيرة في جميع الامور القريبة منه، وضيق شديد في الحالات التي تكون فيها الاغراض غير مرتبة ومنسقة، ينتج عنه التهابات جلدية جراء الغسل المتكرر والصلع الموضعي وغيرها من الامور التي تختلف من مريض الى آخر.
 
أفكار تسلطية
المستشار الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة الدكتور عماد عبد الرزاق عد مرض الوسواس القهري من الامراض العصبية والقلق النفسي:" وهو عبارة عن افكار تسلطية يتعرض لها الانسان في موضوعات النظافة او الكفر او الالحاد، مسببة التوتر والتشنج العصبي للمصاب، مؤكداً ان علاج المصابين بهذا المرض يكون على شقين، الاول دوائي بمراجعة طبيب نفسي مختص يمكن أن يصف له مضادات حيوية للقلق والوسواس، وتحتاج تلك العقاقير الى مدة طويلة ليظهر مفعولها على المرضى قد تصل الى 6 اشهر، والشق الثاني من العلاج يكون نفسياً بالارشاد او المشورة، اذ يبدأ بأبعاد الافكار التي تتولد لدى المريض كالاحساس بالذنب او الخوف وهي جميعها افكار يمكن أن توصف 
بـ"السخيفة"".
ويضيف:" المريض سيبدأ بتقبل هذه الاشياء التي تسبب له الخوف والرهاب ويتكيف معها بمرور الوقت، هذا ولاسرة المريض دور في اسناد وتشجيع المريض على ضرورة تقبل هذا العلاج
، في حين يسند الدور الاكبر الى الجهات الطبية كونها مشكلة مرضية وتحتاج الى علاج دوائي في اغلب الاحيان، منتقداً دور الطب الشعبي او رجال الدين في علاج مثل هذه الحالات بسبب قلة وعي الاهل، ما يؤدي بالتالي الى التأخر في علاج مثل هذه الحالات وتؤدي الى ظهور مضاعفات، وهدر الكثير من الوقت والمال على هذه الحالات دون جدوى، ما يصيب الاهل والمريض بالاحباط ومن ثم 
الندم".
ويؤكد عبد الرزاق: "مريض الوسواس لن يؤثر سوى على نفسه من خلال الافراط بالنظافة واستخدام الماء وصعوبة التعامل معه من قبل الاسرة، ولا يمكن ان يتغير بالنصيحة التي يقدمها له المقربون، في حين لا توجد لديه اي ميول عدوانية تجاه الاخرين، كون معاناته داخلية والتي يمكن أن تؤثر  في عمله او دراسته وحتى حياته الزوجية وقد تتسبب هذه الحالة في اغلب الاحيان بالطلاق".
 
ضغوطات اسرية
وتقول الباحثة الاجتماعية الدكتورة ندى العابدي: "الوسواس القهري هو احد الاضطرابات النفسية التي تنشأ نتيجة اسباب متعددة، احدها طريقة التربية منذ الصغر، اذ يعاني الاطفال في بعض الاحيان من ضغوطات اسرية على شكل عنف جسدي او كلمات لفظية، ليعانوا بعد ذلك من نوبات قلق قد تطول او تقصر بسبب طبيعة الخلافات الموجودة في الاسرة او تهديداتها او الظروف العامة وتفاقم الوضع العام الاقتصادي او الامني ما يؤدي الى نشوء قلق واصابة الاشخاص بهذا 
الاضطراب". وتتابع:" احد اعراض هذا المرض هو وجود رغبات عدوانية جامحة وتخيلات معينة وخوف شديد من التلوث والاتساخ وقد يكون هنالك شدة في الميل الى الترتيب والاهتمام بمنظر الاشياء، وفي احيان اخرى، الخوف من العدوى يضطر الشخص الى الابتعاد عن مصافحة الاخرين او حتى ملامسة الاغراض التي يقتنيها والاشخاص الذين يعيشون معه بالمكان نفسه، وتتسبب الوساوس بحالات الاذى للاخرين  في بعض الاحيان بسبب تخيلات الشخص المصاب بالاضطراب".
وبينت العابدي أن:" المريض يتخيل اشياء غير موجودة ويتصرف على ضوء التخيلات التي تصيبه، ولهذا نراهم يميلون الى الاغتسال والاستحمام بشدة مرات متكررة وبعضهم يغسل الى حد تقشر الجلد، مشيرة الى ان مثل هذا الاضطراب العصبي النفسي قد يؤدي الى حصول عوامل بايولوجية وتغييرات في الجسم نفسه نتيجة تناول ادوية او عوامل جينية ووراثية وبعضها بيئية بسبب العادات والتصرفات التي يكتسبها مع الوقت وتفاقم الاوضاع وسوئها وتلوث البيئة المحيطة بايولوجياً، ما يؤدي الى زيادة هذا الوسواس والبعض يعزيه الى انخفاض مستويات (السيروتينين) المهم جداً لعمل الدماغ والذي يؤدي الى الاضطراب والوسواس 
القهري". ونبهت الى أن :"هذا المرض قد يؤدي الى مشكلات في الاسرة وحياة مثقلة بالتوتر والضغط ومن ثم تتفاقم لتصل الى العمل  وتنتج عنها مضاعفات للاصابة بالوسواس في حال اهماله وعدم معالجته قد تصل للتفكير بالانتحار والادمان على الكحول او المواد المخدرة، لان الشخص يحاول التخلص من حالات الشك والوسواس التي يمر بها، ويعاني ايضاً من حالة القلق والخوف والاضطراب وقد تتطور  الحالة من اضطراب الى مرض قد يكون ابسطها الاكتئاب والاضطراب بالاكل ما يسبب له مشكلات صحية، فضلاً عن التهاب الجلد، وكل هذه الاعراض قد تؤدي بالشخص الى عدم القدرة على العمل والتعلم وعدم استطاعته الاختلاط بالاخرين والانكفاء على ذاته وعلاقاته الاجتماعية فيها مشكلات كبيرة، لذلك علينا أن ننتبه لكل هؤلاء الذين يعانون من هذا المرض وتصرفاتهم ولا نهملها".ونصحت العابدي الاسر:" بضرورة مراقبة اولادهم منذ الطفولة، فقد تبدأ الاعراض بالقلق والتشكيك بالاكل والنظافة وعدم النوم بشكل منتظم والتشكيك بكل التصرفات والسلوكيات، واخضاعهم لفحص جسدي ومختبري، ومراجعة الطبيب المختص لتقييم سلوكياتهم، ما يسهم كثيراً في العلاج، لان البعض من المختصين يعتبرون ان علاج الوسواس القهري عملية معقدة وغير مضمونة النجاح، اذ يحتاج المريض الى جلسات للعلاج النفسي، وفي حال احتياجه الى تدخل دوائي طوال الوقت، فيمكن اللجوء الى متخصص بالطب النفسي لاعطائه العلاج الدوائي الذي من شأنه أن يخفف هذا 
الامر".
 
صدمات وفشل
وبينت الخبيرة في الشؤون النفسية والاجتماعية التربوية الدكتورة ناز بدرخان السندي ان:"الوسواس القهري قد يصاب به المريض نتيجة صدمة معينة او الفشل ماينتج عنه قلق وخوف شديدان في المستقبل تظهر اعراضه بغسل مفرط لجسمه ويديه بشكل غير طبيعي، وهو لا يصنف كحالة وانما كمرض يصيب الانسان نتيجة لحالة معينة يتحول بداخله الى مرض نفسي، عازية اسباب الاصابة بهذا المرض الى حصول حالة عند الانسان، سواء كان صغيراً او كبيراً واهملت ولم تعالج ما يؤدي الى تفاقمها، مؤكدةً ان الاصابة بهذا المرض قد تنتج من المحيطين به نتيجة للاستهزاء بالمصاب لقلة ثقافتهم ووعيهم بمثل هكذا 
مواضيع".
وانتقدت السندي:" تخوف المجتمع من ثقافة الطبيب النفسي، كونه لا يتقبل هذا الشيء بعكس ماموجود في المجتمعات الاخرى، فضلاً عن اختفاء دور المرشد النفسي في المدارس والدوائر الحكومية والذي لم يأخذ دوراً حقيقياً في العراق رغم اهميته في مثل هذه الاوقات بسبب مامر به ابناء الشعب العراقي من ازمات خلال السنوات 
الماضية".