البنتاغون تعزز دفاعاتها في المنطقة

العراق 2020/01/28
...

ترجمة : انيس الصفار  *
في يومِ 14 أيلول الماضي، والفجر وشيك، انهالت أكثر من 20 طائرة مسيرة صغيرة الحجم وصاروخ كروز على منشآت النفط السعودية "آرامكو" التابعة للدولة في أبقيق وخريس، متفادية الدفاعات الصاروخية الأميركية الصنع لتمحو نصف إنتاج السعودية النفطي في ظرف ساعات لا غير. ذلك الهجوم، الذي نسبه المسؤولون الأميركيون والسعوديون الى إيران، هز المنطقة كلها وسلط الأضواء على جوانب ضعف فاضحة أمام انتشار هذه الانواع من الاسلحة، الدفاعات أميركية الصنع المضادة للصواريخ مصممة في الأساس لمواجهة الصواريخ البالستية (التي تطلق على ارتفاعات عالية وتتخذ مسارات قوسية يمكن استقراؤها) ولكنها تواجه صعوبة كبيرة في وقف صواريخ كروز التي تطير على ارتفاعات، لا تعلو عن الارض كثيراً، بحيث تعيي الرادارات التي تحاول التقاطها.

تستثمر روسيا والصين إمكانياتهما في مجال صواريخ كروز بعيدة المدى تحسباً لصراعات مستقبلية محتملة، لذلك جعلت وزارة  الدفاع الأميركية من تطوير قدرة الجيش على تعقب ودحر هذا النوع من السلاح أولوية قصوى، بيد ان المشكلة اتخذت وضعاً ملحاً جديداً في خضم التوترات مع إيران التي كانت تعمل بصمت على بناء قدراتها الخاصة في مجال صواريخ كروز طيلة فترة تخطت العقد.
يقول القادة العسكريون إن الحلقة الاساسية للتغلب على هذه المشكة، هي أن يعمل البنتاغون على تعزيز شبكة أقماره التجسسية والارتقاء بها الى مستوى أفضل في التقاط وتتبع صواريخ كروز والطائرات المسيرة، اضافة الى خطر الاسلحة الأسرع من الصوت التي أخذت بالظهور حديثاً (وهي صواريخ تتعدى سرعتها خمسة اضعاف سرعة الصوت)، في العام 2019 قال الجنرال "جون هايتن" نائب رئيس قيادة الاركان المشتركة: "أنت لا تستطيع أن تدفع عن نفسك شيئاً لا تراه."
لهذه الغاية تهدف "وكالة تطوير الفضاء" المؤسسة حديثاً، والتي ستصبح في نهاية المطاف جزءاً متمماً لقوة الفضاء الجديدة، الى اطلاق عدة عشرات من الاقمار الاصطناعية واطئة الكلفة الى المدار خلال العام 2022 ومن ثم عشرات الاقمار الاضافية كل عامين بعد ذلك. هذه الطبقة من أقمار "التعقب" سوف تبقى ترصد وتتعقب الخطر، في حين تعمل طبقة أخرى من أقمار "التوصيل" على بث البيانات التي تلتقطها الطبقة الأولى الى شبكة اتصالات الدفاع الصاروخي التقليدية، كما صرح "ديريك تورنر" مدير الوكالة المذكورة أمام البنتاغون في الاسبوع الماضي.
يقول تورنر إن الهدف من هذا كله هو بلوغ "تغطية كاملة للكرة الارضية" بحلول السنة المالية 2026.
منذ حقبة الحرب الباردة أنشأ الجيش الأميركي شبكة واسعة مكونة من مشغلين وأسلحة ووسائل استشعار مخصصة للدفاع ضد الصواريخ، العقبة الأولى في سلسلة اجراءات التغلب على خطر الصواريخ المقبلة هي التقاط أثرها وتعقب مسارها، وهي مهمة تؤدى على أفضل وجه من الفضاء، لأن الأقمار الاصطناعية قادرة على تغطية مساحات أوسع بكثير مما تغطيه وسائط المراقبة والاستكشاف الاخرى التي تطير على ارتفاعات منخفضة، مثل الطائرات المسيرة وطائرات الاستطلاع، تتمثل الحلقة الأخيرة في السلسلة بتدمير الخطر المقبل، وهذا يتحقق تقليدياً باستخدام وسيلة اعتراض تطلقها احدى منظومات الدفاع الصاروخي.
إلا أن التصدي لصواريخ كروز والطائرات المسيرة الصغيرة التي تطير بلا طيار يتطلب وسائل أوسع حيلة مما يتطلبه التصدي للصواريخ البالستية، لأن هذه الاسلحة تطير بسرعات عالية وعلى ارتفاعات منخفضة فوق سطح الارض كما تتبع في طيرانها أنماطا مخاتلة لا يمكن التنبؤ بها تتحدى الدفاعات الصاروخية الحديثة. فعند تحليل مخلفات الاسلحة التي أمكن جمها من موقع هجمات 14 أيلول مثلاً تكشف عن أن بعض تلك الاجسام الطائرة، التي انطلقت اصلاً من الشمال، قد اتخذت الى المنشآت المستهدفة مساراً ملتفاً بحيث طارت فوق العراق والكويت أولاً.
المسألة الأخرى التي لا تقل حراجة وأهمية عن ابتكار مستشعرات جديدة هي إيجاد وسيلة أسرع لتناقل المعلومات بين المشغلين ومنصات الاطلاق الدقيقة التي ستتولى بالنتيجة ضرب مصدر الخطر والقضاء عليه. كثير من هذه المنصات لا تستطيع التواصل مباشرة مع بعضها البعض، وأي قرار يتخذ لا بّد من أن تسبقه مكالمات هاتفية عديدة أو حوارات بالرسائل عبر الانترنت، وهذا يستغرق دقائق لها ثمنها، ففي عالم أخذت الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت فيه بالتحول الى حقيقة مجسدة يصبح هذا الاطار الزمني بطيئاً غاية البطء، كما يقول القادة العسكريون.
لا يزال البنتاغون في مراحل الانشاء الأولي في ميدان بناء شبكة متكاملة تمكن المشغلين ومنصات الاطلاق على مختلف الطبقات والميادين التي تتألف منها هذه المنظومة الحربية، من القمر الاصطناعي الى المدمرة البحرية، أن يجروا اتصالاً فورياً فيستلموا أو يبثوا بيانات ميدانية آنية بشكل مباشر ومستقل، الجيش البري والقوة الجوية من جانبهما آخذان بالعمل كل من جهته على تطوير مفاهيمه المنفصلة في هذا الاتجاه، وهما يخوضان تنافساً في ما بينهما، كل يسعى لأن يصبح البؤرة الاساس لما يسميه البنتاغون "العمليات ضمن تعدد النطاقات".
يبدو حتى الآن أن القوة الجوية هي المتقدمة في هذا السباق، وقد نفذت تمريناً في ولاية فلوريدا خلال شهر كانون الاول الماضي استعرضت من خلاله بعض القدرات الأولية التي اكتسبتها، يصف "ويل روبر" كبير مسؤولي التجهيزات الحل الذي تمكنت القوة من تحقيقه، والذي اطلقت عليه رسمياً تسمية "نظام إدارة المعركة المتقدم"، بأنه المكافئ للانترنت في المجال العسكري، يقول روبر إن الشبكة سوف تستخدم آلات ذات قدرة عالية على معالجة تدفق هائل من البيانات، ثم احالة النتائج على المشغلين المعنيين، كل على حدة بصورة منفصلة في أي مكان من العالم.
يقول روبر إن صواريخ كروز ليست سوى تهديد واحد من التهديدات التي سيتعين على الشبكة المذكورة ان تعين الجيش على مجابهتها، ولكنها من بين أشدّ التهديدات الحاحاً، في الأحوال المثالية تستطيع المستشعرات التقاط الخطر بسرعة فتقوم بارسال معلومات لاستهدافه بشكل محدد ومستقل الى المشغل الذي يتحكم بوسيلة الاعتراض المناسبة.
يضيف روبر: "الفكرة الجوهرية التي تتمحور حولها المنظومة المضادة للصواريخ البالستية هي ان الانسان لم يعد هو عنصر الربط، فالمعلومات تتدفق الى جميع الجهات في اللحظة ذاتها، أما الانسان فإنه العامل المساعد وهو المحلل الذي يوفر المعلومات الاسترجاعية التي تساعد المحللين على تحسين ادائهم اكثر فأكثر."
يقول العقيد في الجيش "إريك ويسلي" نائب القائد العام لقيادة العقود الآجلة في الجيش الأميركي إن نموذج القوة الجوية يجب أن يطوّر لتمكين أنظمة الاسلحة لدى الجيش البري من استخدامه ايضاً. على خط موازٍ يعمل الجيش على طرح شبكة أخرى وفق منظوره يطلق عليها "مشروع القيادة والتحكم المشترك لجميع الميادين"، ولكن المفهوم الذي تسعى الى تحقيقه القوتان البرية والجوية يبقى متشابهاً.
يقول ويسلي: "ما نسعى لتحقيقه هو التمكن من التكيف بسرعة واستمرارية، لأننا نريد امتلاك القدرة على التقاط السلاح المعادي واسقاطه بأقصى سرعة."
بيد أن شبكة مثل هذه لا تزال من الناحية الواقعية على مرمى سنوات إن لم نقل عقوداً، يقول ويسلي إنه يسعى لطرح نسخة الجيش في الميدان بحلول العام 2028، ولكن البنتاغون يواجه عقبات بيروقراطية تضطره الى التحرك بإيقاعات بطيئة مقارنة بالقطاع 
التجاري.
الى ذلك الحين سيتحتم على القادة في الشرق الأوسط أن يبقوا على أهبة وحذر طوال الوقت تحسباً لهجمات مدمرة محتملة.
يقول اللواء "أليكس غرينكتش" نائب قائد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد "داعش" في القيادة المركزية: "هذه المشكلة سوف تلازمنا لفترة طويلة ولا مفرَّ من محاولة استيعابها، وهي كيف سنتمكن من الدفاع بوجه شيء كهذا؟"          
 
*لارا سيلغمان/عن مجلة فورن بولسي