النقل المجاني.. وإمكانيَّة القضاء على الاختناق المروري

اقتصادية 2020/01/31
...

آدم بارسونز
ترجمة: شيماء ميران
مدينة لوكمسبورغ على وشك تنفيذ تجربة لمعرفة ما إذا كان النقل العام المجاني سيدفع الناس الى ترك سياراتهم في منازلهم.
كان مدير شركة (Luxtram - لوكسترام) في لوكسمبورغ أندريه فان دير مارك مبتسماً أثناء وجوده في الترام المندفع بسلاسة الى قلب مدينة، فبالنسبة له تُعدُّ ترامات المدينة أكثر من مجرد وسيلة نقل، ويركز عليها حتى أكثر من تركيزه على وظيفته. هذه الترامات على وشك أنْ تدور حول بلاده، ومن المحتمل أنْ تُغيّر العالم. 
ومن الجدير بالذكر إنَّ شركة لوكسترام تُعدُّ قفزة في عالم الترامات الحديثة.
لقد بدأ تشغيل خدمات الشركة لأول مرة منذ عامين وتقوم بتوسيع شبكتها من السكك عبر العاصمة لوكسمبورغ. الفكرة إنَّ الترام هو الجزء المفقود من مشهد النقل المعقد – وهو الطريقة التي سيتم من خلالها ربط مواقف السيارات والقطارات والمشاة في قلب مدينة مزدحمة. وستنفرد لوكسمبورغ في العام المقبل، وتصبح الدولة الوحيدة في العالم التي تتخلص من الأجور في جميع أنواع وسائل النقل العام، فبعد ثلاثة عقود من الازدحام التدريجي والتنقل المزري في طرقها، ستقوم لوكسمبورغ بشيء رائع، إذ جعلت الأجور مجانية، ووضعت خطة لإقناع الركاب للتحول من استخدام السيارات الى الترامات والقطارات. وفي هذا البلد الذي يتمتع بأعلى متوسط دخل في أوروبا، توجد عدوى بالفضول لمعرفة إمكانية تشجيع الناس، ومنهم المصرفيون الذين يسافرون للدول المجاورة يومياً، لترك سيارات البي أم دبليو واستخدام الترام بدلاً عنها. وهذا ما يجعل فان دير مارك وكثيرين آخرين يشعرون بالحماسة لمعرفة ما سيحدث لاحقاً.
 
النقل المجاني للجميع
يقول فان دير مارك: "الحقيقة إنَّ هذه المجانية تعني أنه بإمكان الجميع استخدامها – صغاراً أو كباراً، أغنياءً أو فقراءً، ويمكن للجميع أنْ يقولوا لأنفسهم من الأفضل ترك السيارة في المنزل. لذا ينبغي أنْ نستمر في تحسين وتوسيع شبكة السكك، ويجب أنْ تكون دائماً مريحة ومربوطة جيداً وبكفاءة. ولإقناع الناس باستخدام وسائل النقل العام يجب جعلها الخيار 
الأفضل".
إنَّ مشكلات لوكسمبورغ المروريَّة قد انبثقت من جيش موظفيها، إذ تتضاعف الكثافة السكانيَّة تقريباً في العاصمة خلال أيام العمل، بسبب دخول وخروج أكثر من 110 آلاف موظف من والى
 المدينة.
وتُعبر عمدة المدينة ليدي بولفرعن أملها بالوصول الى النقطة التي يستخدم فيها أكثر من ثلث السكان الداخلين للمدينة وسائل النقل العام – في حين إنَّ النسبة الحالية هي أقل من الخُمس. تقول بولفر: "بالطبع، كل شيء مرتبطٌ بهذا التطور المذهل الذي شهدته مدينتنا في السنوات العشرة أو الخمس عشرة الأخيرة، واليوم يبلغ تعداد المدينة في المساء أكثر من 125 ألف نسمة ويتضاعف هذا العدد صباحاً. وبما أنَّ هناك زيادة في الكثافة السكانيَّة بنسبة 30 بالمئة في السنوات العشر الماضية، لذا نحن بحاجة الى الكثير من الوسائل لمعالجة ذلك، من أماكن بناء المنازل وكيفيَّة تشغيل الأشخاص، ووقت تنقلهم وبالتأكيد كيفيَّة استخدامهم وسائل النقل العام".
مضيفة: "إنَّ منع السيارات أمرٌ غير عملي لأنَّ البعض مثل كبار السن يحتاجونها، لكنْ يجب أنْ يدرك الجميع أنه بإمكانهم القيام بشيء ما لتحسين الوضع، فهناك مقولة في ألمانيا تقول – أنت لست في ازدحام مروري – أنت الازدحام المروري، وهذا صحيح. وأعتقد أنَّ جعلها مجانية سيكون إحدى الحجج المهمة للناس كي يستخدموا وسائل النقل العام".
 
تصدير الفكرة
رغم أنها فكرة عظيمة بالنسبة لبلدٍ صغير جداً، إلا أنه سيكون محط أنظار واهتمام دول وشعوب أخرى. فعلى سبيل المثال، حاولت مدينة تالين عاصمة إستونيا تطبيق نظام مشابه، ووجدت أنَّ عدد الأشخاص الذين يستخدمون الباصات ازداد وقلَّ عدد المشاة. وبالرغم من وجود التزام واسع على صعيد البلاد مدعوم بوعود الحكومة للاستمرار بالإنفاق على وسائل النقل العام، إلا أنه يُعد على الأقل تجربة اجتماعيَّة رائعة. يقول نائب رئيس وزراء لوكسمبورغ المسؤول عن سياسة النقل فرانسوا باوش: "إنَّ مجانية الأجور هو السعي لإيجاد التحول النموذجي في سلوك التنقل. لدينا أعلى عددٍ من الأشخاص الذين يستخدمون السيارات – وهو العدد نفسه في دولة قطر. ولقد استثمرنا الكثير من الأموال في نظام سكك حديد قديم والآن الترام، فينبغي أنْ تحسبوا الفائدة من استثماركم في وسائل النقل العام بتطوير الاقتصاد، وبالنسبة لاقتصادنا فإنكم تحتاجون الى نظام نقل عام عالي الأداء. أما الحكومة فقد دعمت معظم تكاليفها فعلاً – والآن سندفع جميع أجورها. لأننا نعتقد أنَّ البلاد ستحقق الفائدة من ذلك الاستثمار".
وعند توجيه سؤال الى باوش عن ما إذا تمكنت لوكسمبورغ من إظهار طريق جديد للآخرين – أو ما إذا كانت مدن العالم المزدحمة تراقب وتُدون الملاحظات، فأجاب بإيماءة جديَّة.
يقول باوش: "أتمنى ذلك، وأنا متأكد بأنهم سيفعلون، إذ تبحث كل المدن الحضريَّة – والمحاور الاقتصاديَّة الكبيرة – في جميع أنحاء العالم عن حلولٍ أخرى. فمثلاً في لوكسمبورغ، كونها مدينة صغيرة، لدينا الفرصة لنكون أشبه بالمنارة، ونُظهر بالفعل وجود احتمالات أخرى، حتى نتمكن من إيجاد حلولٍ أخرى".
 
عن سكاي نيوز