انقسم القوم منذ الأيام الأولى للسقوط، وبالتحديد بعد استيعابهم صدمة التغيير، إلى فئات متعددة، استثاروا قواعد اختلاف كانت موجودة في الأصل بين العرب والأكراد، وبين الأخيرين والتركمان، وأدخلوا المسيحيين طرفاً في ساحاته الشائكة. وبعد استثارتها حدّاً بات أمرهم في السياسة والإدارة والمال مرهوناً بقدرات التحرك ضمن تلك القواعد، عاودوا الانقسام من جديد بين عراقيي الداخل والخارج، وكأنّهم عادوا الى بدايات الإسلام يوم انقسم القوم بين الأنصار والمهاجرين، ليثبتوا لأهلهم وأجدادهم أنّ السلطة هي من تحدد شكل وقواعد الاختلاف.
لكن أمر اختلافهم بين الداخل والخارج تطور اليوم حدّاً بات الكثير من أهل الداخل يعلق جلّ مشكلات البلاد وفساد نظامها وسوء الخدمات على عراقيي الخارج، ويبرئ الباقين من أهل الداخل، وبات بعضهم يضع شروطاً على التكليف لإدارة الدولة واختيار الوزراء، بينها، وأهمها، ألّا يكون من حملة الجنسيات غير العراقية، أي ليس من أهل الخارج. وهذا تطور في الشأن السياسي يستحق المناقشة وإثارة الاهتمام، وفي بدايته يمكن القول إنّ عراقيي الخارج الذين سعوا الى المساهمة في تغيير النظام وتعاونوا مع الأميركان وغيرهم لتحقيق هذه الغاية التي لا يمكن أن يحققها أهل الداخل، قد استلموا مناصب بمستويات عليا لم يكونوا بمنأى عن الخطأ، لكنه سلوك خطأ إذا ما قيس بمقياس ستظهر النتيجة متقاربة بينهم وبين أهل الداخل وأنّ الجنسيات التي وفرت لأهل الخارج ملاذات آمنة من الملاحقة والعقاب، فإنّ المبالغ الطائلة التي استولى عليها الفاسدون من أهل الداخل ساعدتهم على شراء ملاذات آمنه، وعلى هذا لا يكون للخطأ علاقة بعراقيي الداخل أو الخارج، بل بالنظام القضائي الذي لم يكن رادعاً للسلوك الخطأ ولم يستطع اقناع العالم بنزاهته حداً يتمكن فيه من استقدام أي عراقي فاسد من أهل الداخل أو الخارج ليحاكمه في البلاد ويسترد المال المنهوب.
إنّ العراقيين الذين تركوا البلاد من جور النظام السابق، أو للدراسة وكسب الرزق وعادوا اليه، وعلى الرغم من نسبتهم الى السكان التي تحسب قليلة، قد عاش بعضهم فترات طويلة وتعلم بمدارس ومعاهد متطورة، يفترض أنه قد اكتسب خبرة جيدة، ويفترض ألّا يعزل بحجة الخطأ، لأن التعميم في هذا الشأن خطأ شنيع سيؤدي الى خسارة خبرات ليس من السهل تأمينها والعراق قد توقف نموه وتطوره عند حدود الثمانينات. كما أنّ أهل الخارج مثل أشقائهم أهل الداخل لا يتحملون وحدهم وزر الخطأ، فالنظام السياسي الذي سن بعد ٢٠٠٣ فاسد، تأسس على امتداد نظم فاسدة، من هذا ونقاط أخرى كثيرة، يفترض إعادة النظر في هذا النوع من الاختلاف والشروع بدل العزل الى إصلاح النظام سبيلاً وحيداً لتقليل الخطأ وقبول الشخص المناسب في المكان المناسب، رئيس وزراء كان أو أي شخص كان.