كاظم عبد جاسم الزيدي
يحتلّ السعر مكانة مهمة في جميع الدول على اختلاف نظمها الاقتصادية و الاجتماعية، و ذلك في مجالات توزيع الموارد الاقتصادية بين القطاعات المختلفة، سواء على مستوى توجيه المستخدمات الداخلة في العملية الانتاجية أو على مستوى توزيع الناتج الإجمالي بين مختلف الشرائح الاجتماعية.
وتلعب الأسعار دورا أساسيا في نمط و اتجاهات التجارة الدولية و توزيع الموارد بين الدول المختلفة من شأنها التأثير على معدلات النمو الاقتصادي وإعادة توزيع القيمة المضافة.
وتهدف الدولة من تخطيط السياسة السعرية ضمان تداول السلع والخدمات في السوق العراقية و وصولها بصورة ميسرة إلى جميع المستهلكين المحتاجين لتلك السلع و الخدمات و في ذلك ما يضمن القضاء على الاحتكار و التلاعب بمقدرات
المواطنين.
و إذ إنّ السوق تعد من الجوانب الكبيرة ذات الأهمية الواسعة، و إذ إنّ البلد قد مر بظروف استثنائية منها كثرة الحروب، كان لا بدّ من أن ينظر المشرّع العراقي بإصدار القوانين التي تهدف الى تنظيم التجارة و تنظيم الأسعار. و تُعرّف الجرائم الماسّة بالتسعيرة بأنّها انتهاك لتسعيرة المواد والخدمات المعينة من قبل المشرع و إنّ الجرائم الماسّة بالتسعيرة لها ركنان، هما: الركن المادي و الركن المعنوي، و قد نصت عليها المادة (9) من قانون تنظيم التجارة رقم (20) لسنة 1970 المعدل، و هي الامتناع عن بيع سلعة بأسعارها المحددة أو البيع بسعر يزيد على السعر المقرر قانونا من قبل الجهات الرسمية أو أيّة جهة مخولة صلاحية التسعير و عدم الالتزام بالأسعار المحددة قانونا.
وتتم الجريمة الأولى بمجرد حصول الامتناع عن البيع ويتحقق الامتناع عن البيع بأسعارها المحددة بالمطالبة بثمن يزيد عن الحد المقرر، كما أن وجود السلعة في محل البائع ولو بصورة غير ظاهرة للعيان وإنكار وجودها يعد امتناعا عن البيع بالسعر المحدد، و إنّ رفض البائع بيع سلعة مسعرة بالسعر المحدد و من ثم بيعها بسعر يزيد عليه يحقق معنى الارتباط المنصوص عليه بمقتضى أحكام المادة (17) من قانون تنظيم التجارة و ذلك باعتبار الجريمتين وقعتا لغرض واحد و كانتا مرتبطتين مع بعضهما ارتباطا لا يقبل التجزئة أم جريمة بيع السلعة بسعر أو ربح يزيد على السعر المحدد فلا يكفي أن يتم بيع السلعة أو عرضها للبيع و إنّما يتعين فوق هذا أن يثبت كون السعر أو الربح أكثر من المقرر من الجهات
المختصة.
وقد تكون السلعة المبيعة مكونة من عدة وحدات غير متساوية في الجودة كما هو الحال بالنسبة للفواكه و الخضر، و قد يكون بعضها سليما و البعض الآخر فاسدا، و لم يحدد المشرّع الأسس التي يستند عليها في هذا التحديد للسلعة.
وقد تحدثت المادة (9) من قانون تنظيم التجارة عن البيع بسعر أعلى من السعر المقرر إلّا أنّ بيان وزارة التجارة رقم (4) لسنة 1983 حرمت البيع بأقل من سعر الكلفة من دون الحصول على موافقة وزارة التجارة، وقد تبدو هذة الجريمة غريبة نوعا ما إلّا أنّ الواقع يؤيد وجودها و إن كانت نادرة الوقوع و ذلك للحفاظ على ضمان استقرار السوق التجارية، و إنّ الامتناع عن البيع للسلعة بأسعارها المحددة يعد جريمة، والتسعير الجبري قصد به تمكين المستهلك من الحصول على ضروراته بثمن مناسب و عدم اتاحة الفرصة لاستغلال حاجة بعض الأفراد و قد أوجب القانون الإعلان عن أسعار السلع. كما أنّ عملية فرض سلعة على المشتري بشرائها و تعليق البيع على أيّ شرط يكون مخالفا للعرف التجاري و يحرمه القانون وقد وضع المشرع العراقي عقوبات على مرتكبي جرائم مخالفة التسعيرة إذ يتسع معنى العقوبة في جرائم التسعير ليشمل العقوبات الأصلية
والتكميلية.
وبمقتضى المادة (9) من قانون تنظيم التجارة عاقب المشرع على البيع و الامتناع عن البيع بالسعر المحدد بالسجن مدة لا تزيد عن سبع سنوات أو الحبس مدة لا تقل عن سنتين، و اعتبرها من الجنايات كما عاقب بمقتضى أحكام المادة ( 16) من قانون تنظيم التجارة بالحبس مدة لا تزيد عن أربعة سنوات و لا تقل عن سنتين على جريمة البيع بأقل من سعر الكلفة على حسب الفقرة تاسعا من بيان وزارة التجارة رقم (4) لسنة 1983 بالإضافة الى عقوبة المصادرة بمقتضى أحكام المادة (8) من قانون تنظيم
التجارة.
فيجب مصادرة الأموال و الأشياء المضبوطة التي تحصلت من الجريمة أو التي استعملت في ارتكابها أو التي جُعِلت أجرا لارتكابها و المصادرة بموجب هذة المادة تعتبر عقوبة تبعية و نرى من الضرورة أنْ تكون عقوبة الغرامة المالية شديدة بحق مرتكب هذة الجرائم إذ تعد الغرامة أهم أنواع العقوبات التي يقررها القانون للجرائم الاقتصادية، و يرجع ذلك إلى أنّ غالبية هذة الجرائم ترتكب بدافع الجشع والطمع و الربح غير المشروع، فمن المناسب أن تكون الغلبة في عقوبة تصيب الجاني في ذمته المالية و هذا يفسر التجاء المشرّع العراقي في بعض الأحوال إلى فرض عقوبات مالية شديدة تؤتي أثرها في ردع الجاني و غيره بما يكفل الاحترام اللازم للقوانين
الاقتصادية .