وليد خالد الزيدي
نواجه اليوم في رقعة واسعة من بلدنا العزيز ما خلفه الأشرار في المدن التي احتلوها من آثار خططهم السيئة لملء عقول أطفالنا بأفكار هدامة أساسها ارتكاب الجرائم وفعل المعاصي وهمهم في ذلك بلوغ رغباتهم القبيحة وأهدافهم غير المشروعة على حساب الشعور الفطري لدى الكثير من الأطفال في حبهم لبلدهم وتمسكهم بالأخلاق الإنسانية وانتمائهم الوطني.
سعى الإرهابيون سعياً مسعوراً لإيجاد حالة مفترضة في حياة الجيل الجديد لا سيما من هم دون العاشرة من عمرهم وهم الآن في سن الدراسة بالمرحلتين الابتدائية أو المتوسطة بعد أن عانوا أثناء تسلط الدواعش عملية حشو أدمغتهم بمفاهيم التمرد على القيم المتوارثة في حب الناس، وإلغاء نظرة التسامح، وقتل روح الألفة لديهم التي تفترض أنْ تكون مسألة بديهية مع أقرانهم في بقية مدن العراق، وتلك المسألة غاية في الخطورة يفترض الانتباه لها من قبل جميع الأوساط التربوية والإعلامية والثقافية والشعبية، فالعدو المجرم تحرك بخبث خلافاً لمصلحة الفرد والمجتمع في هذا الجانب، لذا لا غرابة في أنْ نرى خروج بعض أطفال تلك المناطق عن الضوابط المقبولة اجتماعياً ودينياً وتربوياً، وبهذا لا يمكن الاطمئنان على مستقبلهم، ونتوقع أنْ تكون شخصياتهم مهزوزة وبناؤهم التربوي ضعيفاً.
وربما نجد صعوبة في رسم صورة جديدة لحياتهم حتى يتمكنوا من العيش بأمان وسكينة وأعصاب مستريحة وفكرٍ هادئ ليكونوا عنصراًمساعداً لحل مشاكلهم وإنهاء آلامهم وآلام مجتمعهم في المستقبل الذي نطمح له، وهذا ما سعى إليه صندوق إعمار الأنبار بإعادة تأهيل عشرات المدارس في المناطق المتضررة بفعل الإرهاب، حيث كانت مسرحاً لعبث عناصر التنظيم المجرم كالصقلاوية والمأمون وصعدة والرشاد والفتوة والرشيدية، وغيرها، وقيام وزارة التربية بافتتاح 1750 مدرسة في محافظة نينوى بعد إعادة إعمارها، وتأهيل عدد من مدارس محافظة صلاح الدين.
إنَّ إعمار المدارس ينبغي تعضيده ليكون جزءاً من برنامج مدروس يشمل كل المناطق التي كانت تحت وطأة التنظيم المجرم وبعض مناطق محافظة كركوك، على ألا يشمل بناء المدارس فقط، بل إصلاح تربوي وبناء نفسي جديد، فكل ما جرى فيها من قبل تلك العصابات كفيل لإيجاد مطالبات مشروعة لتصويب النظام التربوي فيها وبنائه مجدداً بعد ما خطط الإرهابيون لتدميره، فمن منا لا يعلم بأنَّ الدواعش أوجدوا مدارس متخصصة لسلب حرية الأطفال والتأثير فيهم وقولبة أفكارهم بما يتماشى وعقيدتهم المنحرفة المريضة، فكل تلك التجاوزات والإفساد التربوي والأخلاقي الذي انتشرت مساحته بشكل لافت في معسكرات وأوكار الإرهابيين يجب أنْ تزول آثاره ويلغى تأثيره على خارطة النظام التربوي الجديد الذي نريده، وهذا طبعاً لا يتحقق إلا من خلال إجراءات نرى ضرورة القيام بها مثل معالجة حالة تسرب آلاف التلاميذ من المدارس الابتدائية والمتوسطة في تلك المحافظات, والشروع ببرامج توعية ودروس تثقيفية شاملة بالتزامن مع سير العملية التعليمية، إضافة لذلك التركيز على مادة الاجتماعيات لكونها تختص بالدروس التاريخية والوطنية وأهمية معرفة المتعلمين بثروات العراق ومقدراته وضرورة الحفاظ عليها كواجب وطني وباعتبار تلاميذ وطلبة هاتين المرحلتين أكثر من استهدفهم الإرهاب لضرب مستقبل العراق بالصميم وإيقاف مسيرة الأجيال الصاعدة وعرقلة خطط التنمية في بلدنا.