هل يتسبب كورونا بركود الاقتصاد العالمي؟

اقتصادية 2020/03/03
...

عواصم / وكالات
 
في بداية العام الحالي، بدت الأمور وكأن الاقتصاد العالمي يتجه نحو التعافي، وتباطأ النمو الاقتصادي قليلاً في العام 2019 من 2.9 بالمئة إلى 2.3 بالمئة في الولايات المتحدة، ومن 3.6 بالمئة إلى 2.9 بالمئة على صعيد الأداء العالمي.
ومع ذلك، ليس ثمة ركود اقتصادي يلوح في الأفق، وفقاً لتقرير نشره موقع "بروجيكت سينديكيت" لأستاذ تكوين رأس المال والنمو في جامعة هارفارد "جيفري فرانكل" وفي شهر كانون الثاني الماضي توقع صندوق النقد الدولي تعافيا في النمو الاقتصادي خلال العام 2020، لكن فيروس كورونا الجديد غيّر كل ذلك..

أثر كورونا
كانت التوقعات المبكرة بشأن الأثر الاقتصادي لفيروس كورونا مطمئنة، إذ إنّ الأوبئة المشابهة - مثل تفشي السارس في العام 2003 وهو فيروس آخر نشأ في الصين - خلفت أضراراً محدودة على الصعيد العالمي.
وعلى المستوى الأميركي، فإنّ الناتج المحلي الإجمالي تعرض إلى ضربة، لكن سرعان ما تعافى بسبب زيادة طلب المستهلكين وتسارع الشركات لتلبية الأوامر وإعادة تعبئة المخزونات.
ومع ذلك بات من الواضح على نحو متزايد، أن هذا الفيروس الجديد من المرجح أن يخلف أضراراً أكبر بكثير من تلك الناجمة عن ظهور السارس.
ولا تكمن المسألة في أن الكورونا قد خلف بالفعل عدد وفيات أكبر من تلك التي أحدثها سلفه، لكنها تتمثل في العواقب الاقتصادية التي من المرجح أن تتضاعف بفعل الظروف غير المواتية، بدايةً من المخاطر الاقتصادية المتزايدة التي تهدد الصين. وسجل اقتصاد الصين نمواً خلال العقد الماضي بوتيرة أبطأ بكثير مما حققه سابقاً.
 
عقود النمو
بالطبع، بعد عقود من النمو الذي يتجاوز 10 بالمئة، فإنّ هذا الأمر كان متوقعاً كما أن الصين نجحت في تفادي اتجاهاً هبوطياً قاسياً.
لكن المصارف الصينية تحملت كميات كبيرة من القروض المتعثرة، وهو مصدر للمخاطر الكبيرة. ومع حقيقة أنّ تفشي الكورونا تسبب في تعطيل النشاط الاقتصادي - وهو ما يرجع بشكل كبير إلى عمليات الحَجْر الصحي غير المسبوقة لمجموعات ضخمة من السكان - فإنّ هناك مسوغا لتوقع تباطؤ حاد هذا العام، ليسجل النمو وتيرة أدنى بكثير من الأرقام الرسمية المسجلة في العام الماضي والبالغة 6.1 بالمئة.
وخلال الاجتماع الأخير لوزراء المالية في دول مجموعة العشرين، خفض صندوق النقد الدولي توقعات النمو الاقتصادي للصين إلى 5.6 بالمئة في العام 2020، وهو أدنى مستوى منذ العام 1990.
ومن شأن ذلك أن يُشكل عقبة كبيرة للغاية أمام النمو العالمي، نظراً لأنّ الاقتصاد العالمي بات يعتمد على الصين بشكل أكبر من أيّ وقت مضى.
وفي العام 2003، كانت الصين تشكل 4 بالمئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، لكن اليوم يقف هذا الرقم عند 17 بالمئة (بأسعار الصرف الحالية).
 
سلاسل التوريد
علاوة على ذلك، نظراً لأن الصين تمثل مركز سلاسل التوريد العالمية، فإنّ الاضطرابات هناك تعمل على تقويض الاقتصاد في أيّ مكان آخر.
ومن المحتمل أنْ يكون مصدّرو السلع - بما في ذلك أستراليا ومعظم أفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط - الأكثر تضرراً، إذ إنّ الصين تمثل أكبر مستهلك لدى كل هؤلاء.
لكن جميع شركاء التجارة الرئيسيين للصين عرضة للضعف.
وعلى سبيل المثال، انكمش اقتصاد اليابان بالفعل بوتيرة سنوية 6.3 بالمئة خلال الربع الرابع من العام 2019، بسبب زيادة ضريبة الاستهلاك في تشرين الأول الماضي.
وعند إضافة خسائر التجارة مع الصين إلى ما سبق، فإنّ الركود الاقتصادي - والذي يُعرف بأنه انكماش في الناتج المحلي الإجمالي لمدة فصلين متتالين - يبدو الآن احتمالا أكثر ترجيحاً.
ويمكن أن يعاني المصنّعون الأوروبيون كذلك بشكل كبير للغاية، إذ إن أوروبا أكثر اعتماداً على التجارة من الولايات المتحدة على سبيل المثال، كما أنّها ترتبط بدرجة أكبر بالصين من خلال شبكة سلاسل التوريد.
في حين أن ألمانيا، تفادت، بمعجزة، الوقوع في حالة من الركود الاقتصادي خلال العام الماضي، لكن ربما لن تتمتع بمثل هذا الحظ في العام الجاري، وخاصةً إذا فشلت في تنفيذ بعض التوسع 
المالي.
وبالنسبة للمملكة المتحدة، فربما يخلف البريكست أخيراً عواقبه الاقتصادية التي طالما كان هناك تخوف بشأنها.
ويمكن أن يحدث كل هذا إذا لم يصبح فيروس كورونا بمثابة وباء كامل.
وفي واقع الأمر، في حين أن الفيروس ينتشر في بعض الدول مثل كوريا الجنوبية، فإنّ ارتفاع معدل الإصابة ليس شرطاً مسبقاً للصعوبات الاقتصادية.
 
تأثيرات متفاوتة
يميل شبح الأمراض المعدية إلى إحداث تأثيرات متفاوتة على النشاط الاقتصادي، نظراً لأنّ الأشخاص الأصحّاء يتجنبون السفر والتسوق بل حتى الذهاب إلى العمل.
ورغم أن حالات الركود الاقتصادي العالمية من الصعب للغاية التنبؤ بها، إلّا أنّ احتمال حدوث ركود – وخاصةً ذلك الذي يُعرف بالنمو الاقتصادي أقل من 2.5 بالمئة، وهو الحد الذي حدده صندوق النقد الدولي – أصبح الآن مرتفعاً بشكل كبير.
وحتى الآن، يبدو أنّ المستثمرين الأميركيين غير قلقين بمثل هذه المخاطر، لكن ربما يبالغون كثيراً في هذا الشعور بالارتياح حيال خفض معدل الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي ثلاث مرات في العام الماضي.
وإذا تعثر الاقتصاد الأميركي، فإنّ الفيدرالي لن يجد المساحة الكافية لخفض معدلات الفائدة بمقدار 500 نقطة أساس كما فعل في فترات الركود الاقتصادي السابقة.
وفي المقابل، ربما تستمر الولايات المتحدة والصين في المسار نحو الانفصال الاقتصادي، في سياق عملية أوسع من إنهاء العولمة، أو تقليص التجارة الاقتصادية والاستثمار بين الدول.
ولا يضع فيروس كورونا الجديد أكبر اقتصادينِ في العالم على هذا المسار، لكن هذا من شأنه أن يعجل برحلتهما إليه.