عالم {السايبورغ» ... انتصار الأنوثة في العصر الرقمي
ثقافة
2020/03/09
+A
-A
منذ تلك اللحظة التاريخية التي هيمنت فيها التقنيات الرقمية في جميع الحقول العلمية والثقافية والصناعية والفنية - تغيرت الكائنات البشرية ، وتطورت بشكل متسارع العلاقة بين الانسان وهذا الكائن الجديد العقل الالكتروني (الابتكارات الحاسوبية والبرامجيات والعوالم الافتراضية والشخصيات المرقمنة) واختفت الحدود بين ما هو حقيقي وما هو افتراضي ،وظهور الانسان الرقمي الذي ولد خلال الطفرة التكنولوجية التي انتشرت في الجزء الأخير من القرن العشرين واستمرت بالتطور العاصف .
دونا هاراواي
ترجمة اماني ابو رحمة
صدر مؤخرا عن مؤسسة أروقة للدراسات النسخة العربية التي أعدتها وترجمتها الباحثة الفلسطينية أماني أبو رحمة من كتاب (نسوية السايبورغ.. عن بيان السايبورغ) للمنظرة الاميركية دونا هاراواي والتي ولدت العام 1944 في دنفر، كولورادو. وتعمل حاليا أستاذة فخرية في تاريخ الوعي في جامعة كاليفورنيا، تعد هاراوي من (النسويات) الفاعلات، فضلا عن أنها قد وصفت بالماركسية الجديدة - ما بعد الحداثية. درست مادتي (الدراسات النسوية) و(تاريخ العلوم) في جامعة هاواي وجامعة جونز هوبكنز. وفي سبتمبر 2000، تم منح هاروي أعلى تكريم تمنحه جمعية الدراسات الاجتماعية للعلوم (جائزة برنال) عن مجمل مساهماتها العلمية وأبحاثها. حاضرت هاراوي في (نظرية النسوية) و(العلوم والتقنية) في كلية الدراسات العليا وتعد مفكرة رائدة في مجال العلاقات بين الإنسان والآلة. فجرت أفكارها نقاشات حادة في مجالات متنوعة الفلسفة والبيولوجيا التطورية. وضعت هاراوي العام 1985 نظرية السايبورغ من أجل انتقاد المفاهيم التقليدية النسوية، خصوصا تركيزها القوي على الهوية، بدلا من التقارب. وقالت إنها توظف مجاز (السايبورغ) من أجل بناء الحركة النسوية التي تتحرك خارج الثنائيات والقيود التقليدية بين الجنسين، لتصل إلى استنتاج مفاده(نحن جميعا سايبورغ).
السايبورغ او ما بعد الانسان
السايبورغ او ( مابعد الانسان ) ، بمعنى انها شخصيات تجاوزت مفهوم ( الانسان ) التقليدي تلك الشخصية الادمية المتكونة من جزأين : الاول جزء حيوي والاخر جزء آلي ، لتصل الى مفهوم جديد ومعاصر يساير هذه التقانة الرقمية بل ويمتزج معها لدرجة التحدي الالكتروني بين ما هو مادي و ما هو فوق المادي، يقول ( مارفين منسكي ) من معهد (ماساشوستس للتكنولوجيا) (ان هؤلاء الناس المعدلين قد يمثلون المرحلة التالية من مراحل التطور البشري ،وبذلك سنكون قد حققنا خلودا حقيقيا عن طريق استبدال الفولاذ والسليكون بالجلد ) ويبين انطوان بطرس في كتابه ( الثورات العلمية العظمى في القرن العشرين ) الى ان كل الثورات العلمية ( ميكانيكا الكم و النظرية النسبية و نظرية الانفجار الكبير و الثورة الصناعية ) كانت ثورات مرحلة ، ما عدا ( الثورة المعلوماتية ) ، هي ثورة مستقبل لا مرحلة ، الى جانب ثورة الاتصالات والذكاء الاصطناعي ).
و بحسب تعريف ميشيو كاكو ، فان السايبورغ هو (كائن حي افتراضي معدل للحياة في بيئة معادية او غير ملائمة ، عن طريق استبدال بعض اعضائه باعضاء صناعية او كائن حي او مختلط مهجن من الالة والاعضاء الحية ) وتعرفه دونا هاراوي ( السايبرورغ هو كائن سايبرنيتيكي(معرفي), هجين من الآلة والكائن الحي، مخلوق من الواقع الاجتماعي ومن الخيال أيضا. فالواقع الاجتماعي هو العلاقات الاجتماعية المعاشة, وهياكلنا السياسية الأكثر أهمية, كما أنه خيال العالم المتغير) وتراه هاراوي قضية تخييل وخبرة معاشة غيرت ما يعرف بالخبرة النسوية في نهايات القرن العشرين. إنه صراع مع الموت والحياة، ولكن الحدود بين الخيال العلمي والواقع الاجتماعي لا تعدو كونها وهما بصريا. يحفل الخيال العلمي بمخلوقات سايبورغية آلة وحيوان في الوقت ذاته, تحتل عوالم طبيعية أو مركبة بحرفية اصطناعية ولكنها غامضة في كلتا الحالتين. ويحفل ( الطب الحديث ) بالسايبورغ، والمزاوجة بين الكائن الحي والآلة ، إذ يُدرك كل منهما بوصفه أداة مرمزة ، حميمية وذات سلطة لم تتولد قط في تاريخ النشاط الجنسي يتعلق السايبورج كما قالت دونا بالتحيز والتهكم والحميمية والانحراف، انه معارض يوتوبي ويفتقر مطلقا الى البراءة، لم يعد يقوم على اساس تلك الثنائية الخاصة بالخاص
والعام.
انه مدينة تكنولوجية تقوم على اساس ثورة في العلاقات الاجتماعية وهكذا فان الطبيعة والثقافة يعاد العمل عليهما وتشكيلهما من جديد الان وقد ظهرت تلك الكائنات المخلقة التي تجمع بين الانسان والالة في السينما والعمارة والفن التشكيلي .. الخ ، هناك تاريخ مهم سابق السايبورج يتمثل في تلك الحالات الاسطورية القديمة التي حدث فيها مزج بين الانسان والحيوان ووصولا الى السيريالية الحديثة بتصوراتها
الخيالية )
النساء والعصر الرقمي
حجر الزاوية في الافكار التي يحتويها كتاب (نسوية السايبورغ.. عن بيان السايبورغ) كما يحللها بريان سايكس من منظور بيولوجي، هي أزمة الذكر التي تهدد وجوده، ويشير إلى صراع خفي يدور رحاه بين كروموسوم وأي وكروموسوم أكس، أو بين دنا الميتوكوندريا وكروموسوم واي، وفي هذا الصراع تحقق الأنوثة انتصارات ساحقة لا تحققها الحركات النسوية في أي مكان، واحدة من نتائج تلك الحرب الخفية أن الحيوانات المنوية تمر بأحوال سيئة. والنتيجة العامة توضح انتقام الأنثى أو المرأة من الرجل بوسائلها الخاصة الخفية وربما تقود هذه النتيجة إلى استشراف مستقبل الذكر وانقراضه في النهاية لتسود الأنثى في المستقبل مثلما كانت كذلك في بدء الحضارة البشرية وعصر
الأمومة.
المترجمة أماني أبورحمة ترجح كفة المرأة وتذهب إلى أن (المرأة، وليس الرجل، هي المناسبة بشكل فريد للحياة في العصر الرقمي، وأن انبثاق العصر الرقمي، أظهر استجابة بالغة من قبل المرأة في الثمانينيات ويبشر بإمكانات إيجابية جدا حول تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتمكين النساء وتحويل العلاقات الجندرية).وبناء على هذا التحول ترى النسويات المنظرات في مجال التكنولوجيا
الحديثة.
(أن التقنيات الرقمية تطمس الحدود بين البشر والآلات، وبين الذكور والإناث، وتمكن المستخدمين من اختيار هويات بديلة وافتراضية) وإذا كانت التكنولوجيا الصناعية قد تميزت بشخصية بطريركية ذكورية، فإن (التقنيات الرقمية، القائمة على الدماغ بدلا من العضلات، وعلى الشبكات بدلا من التسلسل الهرمي، تبشر بعلاقة جديدة بين النساء والآلات. وبالنسبة للنسويات، فإن الإنترنت والفضاء السايبيري يعد ميديا أنثوية توفر الأساس التكنولوجي لشكل جديد من المجتمع يحمل إمكانية تحرر
للنساء).
بيان السايبورغ: التكنولوجيا، والاشتراكية النسوية
وضعت دونا هاراوي، في أُفق ما بعد الحداثة، سيناريوهات شخصية إنسان الألفية الثالثة. ذلك الذي أطلقت عليه مصطلح السايبورغ في إعلانها الصادر العام 1989 والذي يحمل اسم (إعلان السايبورغ). يعود مصطلح السايبورغ إلى الستينيات من القرن الماضي حين نحته مانفريد كلاينز وناثان كلين (للإشارة إلى الإنسان المحسن أو المطور الذي يمكنه العيش في بيئة أبعد من حدود الأرض). ولكن هاراوي هي التي أدخلته إلى عالم التقنيات الرقمية والعالم الجندرية ، السايبرورغ كما يظهر في الاعلان (أنه خيال العالم
المتغير.
هيكلت الحركات النسوية الكونية الخبرة النسوية) فضلا عن أنها كشفت أو ربما اكتشفت هذا الكائن الجمعي العصيب. كانت هذه الخبرة مزيجًا من الحقيقة والخيال من ذلك النوع الأكثر سياسية وتحديدا. فالتحرر يتكئ على تركيب الوعي, وعلى الإدراك الخيالي للاضطهاد والقهر وعلى الإمكانية أيضا. ليس الأمر أن الإنسان قد مات، ولكن الإنسان بوصفه مفهوما قد تطور درجة أو درجات.
فالإنسان ليس نهاية الطريق، إذ يبزغ من خلفه السايبورغ(الكائن الهجين المخلوق من تزاوج الكائن البايولوجي والآلية
السايبرنيتيكية) .