أزمة غير محتملة

اقتصادية 2020/03/29
...

محمد شريف أبو ميسم 
 
ما يقال بشأن احتمالات أزمة اقتصادية عالمية تلوح بالأفق، ناجم بالدرجة الأساس عمّا تعرّضت له أسعار النفط من انهيارات جرّاء الخلاف بين كبار المنتجين في العالم (روسيا والسعودية) بالتزامن مع ما سببته أزمة الوباء العالمي بفيروس "كرونا المستجد" والتي أثّرت في حركة التجارة العالمية سلبا وعلى معدلات انتاج وتدفق السلع من الصين بوصفها أكبر مسوّق للسلع في الأسواق العالمية، الأمر الذي انسحب على معدلات استهلاك الطاقة في دولة تعدّ هي الأكثر استهلاكا للنفط في القارة الآسيويَّة. 
ومن الطبيعي ألّا تقف الدول المنتجة للنفط موقف المتفرج من دون البحث عن مخرج للأسعار، بينما تتعرض اقتصاداتها لخسائر بالغة، ما يعني أنّ هذا الانخفاض في أسعار النفط لا يعدو أن يكون مرحليا، مع اقتراب انحسار نشاط فيروس" كورونا "بحسب الجهات الدولية ذات العلاقة، كلما اقترب موسم الصيف وارتفعت درجة الحرارة.ومع كل ذلك فإنّ وضع الترتيبات اللازمة لمواجهة تداعيات وقوع مثل هكذا أزمة يعد من أولويات صانع الخطط الاقتصادية في البلاد، ومن واجبات ممثلي الشعب التنبيه لخطورة ملامحها واقتراح المعالجات والاجراءات بالتشاور مع ذوي الاختصاص، خصوصا وأنّ مشهد الاقتصاد الكلي ما زال يعاني من اختلالات بنيوية تحتاج إلى معالجات جذرية قادرة على صنع متغير إيجابي يسهم في بناء هيكل اقتصادي قائم على وجود قطاعات حقيقية فاعلة وقطاعات ساندة تتشكل بموجبها حلقات التكامل الاقتصادي، من دون اللجوء إلى أسلوب ردّات الفعل التي عادة ما تفضي لنتائج عكسية على الواقع الاقتصادي الكلي. 
ومن هنا فإنّ إيقاف الإنفاق الاستثماري والحد من الإنفاق التشغيلي في جميع أوجه النشاط الحكومي في الموازنة العامة، لا يفضي لأكثر من تكريس حالة الانكماش الاقتصادي والتي عادة ما تؤدي إلى كساد قد يطيح ببعض النجاحات التي تحققت في بعض القطاعات ومنها القطاع الزراعي مثلاً. 
في وقت نحن بأمسّ الحاجة إلى تكريس هذه النجاحات التي أعادت الاعتبار للمنتج المحلي، وأسهمت، ولو بشكل جزئي، في الحد من تدفق العملة الصعبة إلى خارج البلاد، ووفرت العديد من الوظائف وفرص العمل في القطاعات الساندة، الأمر الذي يستدعي تدخل البنك المركزي إزاء العجز الكبير في الموازنة العامة لتفعيل مبادرته المتعلقة بدعم المصارف المتخصصة، مع مبادرة الواحد ترليون الخاصة بدعم الائتمان في المصارف الأهلية، باتجاه تحريك القطاعات الانتاجية التي ستحتاج، بالضرورة، لوجود إنفاق استثماري داعم في حلقات البنية التحتية ومستوى مقبول من الانفاق التشغيلي لضمان تدفق السيولة النقديَّة في ساحات التداول، في حين يمكن التركيز على ضغط النفقات الحكومية غير الأساسية، واستحصال ديون الدولة من شركات الاتصالات التي تلكأت في بعض المفاصل، والمطالبة بقيمة صادرات الإقليم من النفط الخام والمنافذ الحدودية، من دون اللجوء إلى تعزيز الواردات الحكومية عن طريق رفع نسب الجباية والرسوم على الخدمات كما يدعو لها بعضهم، بسبب ما يمكن أن تلحقه من ضرر على المستوى المعيشي للشرائح الفقيرة، بجانب أهمية وضع حد للفرق الكبير في أسعار بيع الدولار بمزاد العملة مقارنة بالقيمة السعرية للدولار في السوق الموازي عند بيع السلع المستورة من خلال هذا المزاد.