د. باسم الإبراهيمي
شهدت الأيام الماضية شائعات يفيد مضمونها أنّ الحكومة ستقوم بطباعة رواتب الشهر الحالي لعدم توفرها لدى الخزينة العامة، وفي الوقت الذي تمّفيه نفي الشائعة من قبل الشخص الذي نسبت إليه، فإنّ الجهة المتخصصة، وهو البنك المركزي العراقي أصدر توضيحا خاصا بالموضوع يوضح عدم مصداقية المعلومة وعدم مهنيتها.
فضلا عن توضيح آلية الإصدار النقدي ومحدداته المحاسبية والفنية وفقا لقانون البنك المركزي
النافذ.
وعلى الرغم من ذلك فقد أخذت الإشاعة انتشارا واسعا نظرا لحساسية الموضوع وتعلقه بمصدر دخل الناس وتوقعاتهم المستقبلية بخصوص الملاءة المالية للحكومة، نظرا لارتباط كل القطاعات الاقتصادية بالقطاع الحكومي، وسيطرة الأخير على اتجاهات الاقتصاد
عموما.
وفي سياق الحديث عن موضوع إدارة العملة، نودّأن نبيّن أنّ هناك خلطاً واضحا بين طباعة العملة وبين إصدار النقد، فالأول عملية فنية تتضمن موضوع طباعة كمية من الأوراق النقدية بمواصفات فنية وألوان وشعارات يتم تحديدها من قبل الجهة المعنية بطباعة العملة في البلد، وتتم الطباعة عادة في شركات عالمية متخصصة بهذا الموضوع، في حين يشير موضوع الاصدار النقدي إلى كمية العملة المصدّرة إلى التداول من العملة المطبوعة وهذا الإصدار يتحدّد وفقا للسياسة النقدية للبلد والعلاقة ما بين المالية والبنك المركزي من حيث استقلالية الأخير عن الحكومة وقدرته على ضبط المعروض النقدي بما يحقق الاستقرار السعري ومن ثم الاقتصادي.
الذاكرة العراقية لا تزال تستحضر تجربة الحصار الاقتصادي وعملية الإصدار النقدي التضخمي الذي تم تبنّيه لمواجهة أزمة انخفاض العوائد الدولارية بسبب الحصار الذي فرض على العراق، ومن بينها صادرات النفط، وبالتاكيد فإنّ الكثير لا يعي التغيرات التي حصلت لاسيّما استقلالية البنك المركزي وعدم قدرة الحكومة على التحكم بطباعة وإصدار العملة فضلا عن عدم قدرة الحكومة على السحب من البنك المركزي من دون أن يكون لديها رصيد في حسابها أو استبدال الدولار الذي تملكه بدينار عراقي من البنك المركزي.
وبالتالي فإنّ إدارة العملة قد اختلفت اليوم عن فترة الحصار في تسعينيات القرن الماضي، علما أنّ العراق استطاع تجاوز أزمة كبيرة خلال الصدمتين بعد العام 2014 وسيستطيع تجاوز هذه الأزمة أيضا إن شاء
الله.