قراءة في (حياة العلامة)

ثقافة 2018/12/17
...

 
 
 
د. خالد محمد صالح
 
 
يسعى ماجد الحسن في كتابه (حياة العلامة) إلى مقاربة الخطاب مقاربة سيمائية، محاولا الجمع بين الطابعين الثقافي والدلالي، مدركا أن الخطاب فيهما يتمحور في نسقين دلاليين: لساني، وأيقوني بصري، ولكنه بدى مهتما بالنسق الأيقوني، اعتقادا منه أن الصورة والثوب يثيران في المتلقي الرغبة والاستجابة.
يسعى ماجد الحسن في كتابه (حياة العلامة) إلى مقاربة الخطاب مقاربة سيمائية، محاولا الجمع بين الطابعين الثقافي والدلالي، مدركا أن الخطاب فيهما يتمحور في نسقين دلاليين: لساني، وأيقوني بصري، ولكنه بدى مهتما بالنسق الأيقوني، اعتقادا منه أن الصورة والثوب يثيران في المتلقي الرغبة والاستجابة.
وعلى الرغم من توزع كتابه بين النظرية والتطبيق، لكن الحسن يشتغل على استدراج البنية والوظيفة حيث يكتب للعلامة الحياة. ومن هنا يسعى إلى تحليل سيميائي لمجموعة خطابات مختلفة. وهذا الجهد التحليلي الفطن الذي يقدمه كتاب الحسن، لم يكن معزولا عن المقاربات المنهجية الحديثة التي لا تنحصر وظيفتها في تحليل الخطاب الأدبي، بل إنّ فعاليتها تتبدى من خلال مزج هذه الخطابات الطابع الثقافي بالبعدين الدلالي والاستعمالي.
 إن هذه العناية في كتاب (حياة العلامة) لا تجري بعيدا عن الاهتمامات المعاصرة في نظرية النقد، التي تهتم ببلورة الرأي وتشكيل الوعي، وفي التأثير في الثقافة وتوجيهها في أبعادها المختلفة الفكرية والفلسفية، وميزة هذا الكتاب أنه يشتغل في مساحات تكاد تكون مجهولة في الدراسات المكتوبة في اللغة العربية. 
إن استدعاء الخطاب بصفته حصيلة نسقين دلاليين: لساني، وأيقوني بصري. تظهر اهتمام ماجد الحسن بالبحث عن الموجهات التي تؤثر في المتلقي لتحصيل معنى محدد، محاولا في الوقت نفسه الربط بين مختلف مقاطع النسق الأيقوني، خصوصا المتعلق بصورة ثابتة. وعلى الرغم من أن أهمية النسق اللساني تبقى رغم ذلك قاصرة أمام بلاغة الصورة وأولياتها المتفاعلة والمؤثرة- كما يحاول ماجد الحسن استجلاءها- فإنها كما يريدها تظل ذات تأثير في نفس الملتقي، لتستوقفه مثيرة فيه الرغبة والاستجابة.
ولكي تكون الدراسة أكثر ارتباطًا بالواقع اختار ماجد الحسن الصورة والأزياء، ومقاربتها سيميائيا، محاولا استنباط مقومات الثقافة العراقية وأشكالها، من خلال تأمل خطاب يجمع بين النسق اللساني والنسق الأيقوني البصري، الذي يركز على الكلمة والصورة والزي.
وقد حاول الكتاب استقصاء أبعاد العملية الاتصالية المنطوية على العناصر المعروفة، وهي: المرسل: وهي القائم بعملية الإنتاج والخلق او التشكيل، والرسالة: وهي الفكرة المعلن عنها والمروج لها، والوسيلة: سواء كانت ثوبا او صورة، والمستقبل: وهو الجمهور المستهدف الذي يتم تحديده بناء على معيارين أساسيين: طبيعة المضمون، وطبيعة البيئة الثقافية لهذا الجمهور.
لقد أدرك كتاب (حياة العلامة) أن الخطاب يتصل بالحياة الإنسانية اتصالا مباشرا، من خلال سعيه إلى بلورة قيم متعددة منها: اجتماعية وأخلاقية وحضارية. فمهما كان الخطاب ظاهرا صورة كان أو ثوبا، فإنه يحاول أن يخفي في ممارسته اللغوية والثقافية قيمة ثقافية ذات سمة إيديولوجية غالبة تحاول أن ترسخ لدى المستقبلين في إطارها العلاماتي، ولهذه الطبيعة المتشابكة لا بد من تمييز ما هو من الخطاب نفسه بوصفه نسيجا لغويا دالاً يهدف إلى الإقناع، وبين ما هو خارج الخطاب اللساني في ما يتصل به من قيم سوسيوثقافية.
إن ماجد الحسن يدرك أن العلامات التي تؤسس لأي خطاب تنشد أساسا البعد التأثيري، كما ترغب في إعلاء الفكرة المنوطة بها من خلال عرض خصائصها المميزة بهدف دفع المتلقين إلى التسليم بها، وهكذا تتجسد العلامة فعلا اجتماعيا، كلما أظهر الخطاب أبعاده الظاهرة مرسلاً وملتقيًا ورسالة معيّنة، ودلالة مخصوصة تتميز عن سائر أنواع الخطاب الأخرى السردية والوصفية والطلبية والتفسيرية وإن تقاطعت معها في بعض البنى والسمات.
 لقد ميز ماجد الحسن بين نسقين أساسين في بنية الخطاب العلاماتي، أحدهما لساني صرف تكون العلامة اللسانية أداته المهيمنة في التبليغ، وثانيها أيقوني صرف تكون العلامة البصرية أداته الرئيسة في عالم الواقع، وحضورهما معًا بهيمنة طرف على آخر مبني على قصد معين يتوافق مع سياق المقام. كما أن هذا الخطاب يفترض وجود قائل ينجز مجموعة أقوال ومتلقٍ يستقبل أساسا خطابًا له مجموعة من المكونات والخصائص التي تجعل منه قارئا ومؤولاً لهذا الخطاب.
ولا يتوقف كتاب (حياة العلامة) عن التذكير بأن مستوى الخطاب بصفته نسيجا تتشابك فيه مجموعة من العلامات وفق قواعد تركيبية دلالية، ويفترض وجود قائل ينجز خطابا، ومتلقٍ يؤول هذا الخطاب الذي يدرك تماما أنه مجموعة من الدلائل اللغوية الموجزة في شكل ملفوظات كثيفة يتطلب توسيعها اللجوء إلى المقابل المعجمي من أجل الحصول على المفردات التي تعادلها في مستويات المعنى، وهذا الانتقال من مستوى البحث عن المعنى إلى مستوى اكتشاف الدلالة  هو في الحقيقة إجراء سيميائي ، يؤهل المتلقي لإيجاد قائمة المفردات التي تشكل قيّما دلالية مضافة تعمل على تمييز وترتيب عدد من مستويات الوصف المتجانس للمضمون الذي تأتي به العلامة.
ويكتسي النسق الأيقوني أهمية كبيرة في كتاب ماجد الحسن، كونه يستمد دلالته من الأيقونة (الصور) أيضا ، ولها دور كبير في تعزيز مدلول الخطاب عموما، لأنّ الأيقونة (الصورة) لها تأثير كبير في المتلقي ، وتعرف بأنّها ذلك النظام الدلالي الذي يقيم علاقة شبيهة مع المرجع (الممثل)، وهي ليست صورة مطابقة للعالم الخارجي، وإنما مظهر منه فقط، كما يرى كتاب (حياة العلامة)، وإذا 
كان معنى الدليل اللغوي ثابتا 
بموجب الاتفاق، فإن الصورة الأيقونية متغيرة ومتعددة في معناها، وهذا ما يجعلها مجالا مفتوحاً لتمثيل مشاعر ورغبات المتلقي المتأمل فيها، الأمر الذي يستعصى على النص بحكم الضغوطات العقلانية التي يفرضها استقرار المضمون القابع فيه. 
ويرى ماجد الحسن أن العلامة الأيقونة تهدف إلى إعادة صياغة المعنى اللساني المثبت باللفظ وإضفاء الحياة الديناميكية عليه، فيضحي حركة مشهديه نامية، ولعل أهم الوظائف التبليغية التي تحققها الصورة في الخطاب أنّها 
تخرج القيم المجردة من حيز الكمون إلى حيز التجلي فتصبح واقعاً مادياً محسوساً، في ضوء ما ينتج 
من مشاهد تتخلل أو توازي الخطاب اللساني، وربما حولت الصورة العوالم المجردة والمثالية إلى عوالم 
ممكنة. 
هذا وتفيد الصورة المتعلقة بالإشارة والحركة الجسدية في تثبيت العلاقة بين المرسل والمتلقي فتجعله أكثر وثوقا ورغبة في ما يعرض على ناظريه، بخاصة إذا دعمت بقراءة أبعاد الصورة أو دلالات اللون في الثوب.