مغزى مدني حضاري كبير

آراء 2018/12/17
...

حسين فوزي
 

من المؤسف أن الظاهرة السائدة في العمل السياسي والوظيفي هي أن الخلف يحط من قدر السلف إلا ما ندر، بالرغم من كل ما تنص عليه روح الدستور والقيم المدنية الديمقراطية بخصوص التداول السلمي للسلطة.
وقد تجلت الحالة السلبية بشأن التداول السلمي للسلطة بشكل سافر في ولاية السيد حيدر العبادي، الذي استهدفته سهام من سبقه ومؤيديه، فيما حاول الرجل قدر الإمكان تجنب التجاذبات التي واصلها من يظنون أنهم أحق منه في رئاسة الحكومة.
وهذا السلوك منسحب على غالبية الوزراء ومن هم دونهم من الدرجات الخاصة وغير الخاصة إلا ما ندر. فقلما تسمع من مسؤول إشادة بجهود من سبقه، بل جرت العادة على ان يقوم الخلف بإلغاء كل الإجراءات
 وتقاليد العمل التي أرساها من قبله، بمعنى أن عملية التراكم الإيجابي، كماً ونوعاً، منعدمة، وان كل من يتولى المسؤولية يعود إلى الطابوقة الأولى في البناء، مما يعني عدم قيام بناء واضح لتراكم الخبرة وتقاليد
 العمل.
ما لفت نظري يوم الجمعة زيارة سيادة رئيس الجمهورية د.برهم صالح لسلفه د. فؤاد معصوم، والأجواء الإيجابية التي توحيها لغة جسديهما، قبل ما هو على وجهيهما من معالم الارتياح الرصين المتبادل.
وهذه الصورة للرئيسين، وقبلها صورة رئيس الوزراء الحالي السيد عادل عبد المهدي مع سلفه د. حيدر العبادي يتوسطهما سيادة رئيس الجمهورية د. برهم صالح، ينبغي أن تكون حاضرة في ذهن كل مسؤول بأن السلطة ليست غنيمة يتمسك بها المسؤول، بل هي ولاية مرهونة بإرادة المواطنين ومحصلة إرادة القوى السياسية المعبرة عن توجهاتهم، على وفق منظور المصالح
 الوطنية العليا.
وبقدر ما تكون معالم الارتياح في تعامل الخلف من المسؤولين مع أسلافهم بقدر ما تشيع حالة من الاطمئنان النفسي بين المواطنين قاطبة، وبشكل يقوض إلى حد كبير التشنج في اختلاف الرؤية بين أطياف المجتمع. وهذه الحالة الإيجابية لصيغة التداول السلمي للسلطة لم تأتِ من فراغ، إنما هي تجسيد لتربية عائلية وسياسية ملقحة بتحصيل علمي وتجربة عملية رفيعين.
وبقدر ما توحي زيارة الرئيسين د. برهم صالح وعادل عبد المهدي لسلفيهما من أبعاد إيجابية، فإن التغطية الإعلامية لرد هاتين الزيارتين من قبل السلفين، تشكل بعداً آخر مضافا يؤكد الشرعية الدستورية لاستمرارية السلطة.
وعلى ما يتذكر من هم في عمري أن المرحوم أ.د. عبد الرحمن البزاز أعاد تقليداً ساد أيام الملكية، حيث يكون على رأس مستقبلي الضيوف رؤساء
 الوزارات السابقين.
ومثل هذا الارتباط الودي وتبادل الرأي والمشورة سيكون عنصراً مضافاً لإنجاح جهود البناء وتصفية حواضن الإرهاب والتطرف والطائفية المقيتة في طريق ترسيخ السلم المجتمعي وتسريع خطى البناء والتقدم.