هذا هو العراقي الأصيل

آراء 2018/12/17
...

حسين الصدر 
 
- 1 -
 
يُطلق بعض العراقيين – للاسف – على مُجايليه وأبناء وطنه ، شتى النعوت والأوصاف التي لا تمثّل حقيقة الشعب العراقي الأصيل ولا تعكس روحه ومساراته وممارساته ..
فهناك من يتهم العراقيين بالعنف والقسوة ،
وهناك مَنْ يتهمهم بانهم طلاّب منافع ومكاسب، وليسوا برجال
 مبادئ ..
وهناك مَنْ يتهمهم بالسذاجة وعدم النضوج السياسي ،
وهناك من يتهمهم بأنهم يرضخون للغوغائيين دون اعتراض ..
وكل هذه الاوصاف قد تنطبق على بعض العراقيين ولكن هل يصح اعتبار هذه الاوصاف صفةً كلَّ 
عراقي ؟!
اذا وُجدَ (طبيبٌ) يتواطئ مع (صيدلية) معيّنة على التلاعب بأسعار الأدوية، وبيعها بسعر أغلى من سعرها الحقيقي، فهل يصحُّ اطلاق وصف خيانةِ الامانة على كُلِّ الأطباء والصيادلة ؟!
واذا وُجِدَ في الشعراء مَنْ يجعل شِعْرَهُ وسيلةً لاصطياد مَنْ يمدحهم من الاثرياء، فهل يصحُ أنْ نُطلق على الشعراء كافةً وصف (باعة الشعر) ؟
وهكذا يتضح أنَّ الصفة السلبية تختص بصاحبها، ولا تسري الى غيره مالم يكن متلبسا بها في كل الأحوال ...
 
- 2 -
والآن وقد استبعدنا اطلاق الاوصاف جزافا، ودون تمحيص ،على
الملايين من العراقيين ، هل يمكن لنا أنْ نحدّد الصفات الايجابية التي يتسم بها معظم العراقيين ؟
ونسارع الى القول :
ان العراقي مَجْبُولٌ بِطَبْعِهِ على النُبل والكرم والشهامة وتبادل المحبة والاحترام مع الآخرين .
ومن هنا حرص الطغاة الذين حكموا العراق منذ قديم الزمن، على تلويث أكبر عدد ممكن منهم، لأنهم يخشون منهم، حيث لا يُقدم العراقي الأصيل على السباحة في بحار الأباطيل والمظالم، ويرفض التواجد في الدهاليز المظلمة، والمشاركة في القضايا المعتمة ...
فعبيد الله بن زياد صَرَخَ :
برئت الذمة ممن بقي في الكوفة ولم يخرج الى حرب الحسين (ع)،      في منحى واضح الدلالة على الرغبة العارمة في تلويثهم بالدماء الزكية الطاهرة للحسين (ع) واهل بيته الميامين ، وأصحابه الأبرار المجاهدين 
وهل يستطيع المشاركون في حرب الحسين (ع) أنْ يحاسبوا قتلةَ الحسين (ع) على إجرامهم بعد انتهاء المعركة ؟!
وقد جرى على هذا النهج الدكتاتور المقبور الذي رغبّ الابناء ان يكتبوا التقارير ضد آبائهم واخوانهم، فضلاً عن الآخرين، وسلب العراقيين حقوقهم في التعبير عن رأيهم كما سلبهم كرامتهم حينما أجبرهم على الخضوع المطلق لمغامراته الطائشة وقراراته الباطشة والاّ كانت أحواض (التيزاب) تنتظرهم بلا
 هوادة .
وعندي انّ الفساد المالي والاداري المستشري ما هو الاّ ميراث تلك المرحلة
 الموبوءة .
- 3 -
 
غير انّ الصورة ليست قاتمةً بشكل مطلق...
انّ هناك اشخاصاً ينتمون الى تربة الوطن الحبيب وهم أطهر من ماء المزن ، وأنقى من لالئ الفجر ، 
انهم المحافظون على هويتهم بعيداً عن تلويثها وتدنيسها باجتراح الاعمال التي لا تُبيحها قواميس
 الأخلاق .
 
- 4 -
وقد دعاني الى كتابة هذه السطور ، ما قَصَّهُ عليّ أحدُ أبنائِنا الاعزاء اليوم .
قال حفظه الله :
عُرض عليّ ان أكون المسؤول الحقيقي – والاشارة هنا الى بعض الدوائر المهمة الخاصة – فاعتذرت عن ذلك، وقلتُ لهم :
أنا ابن هذه المنطقة ، 
وتربطني بالكثير منهم علاقات وصداقات وروابط ، 
وأنا أخشى أنْ يتم – من خلال تلك الأواصر الموجودة –بيني وبينهم التأثير عليّ بما لا يحفظ الصالح العام ، ومن هنا فلا بد لي
 من الاعتذار .
لقد عُظم الرجل في عيني كثيراً وهو معروف ولديّ منذ سنين – بالنزاهة والاستقامة وسلامة 
المسار .
ولكنه اليوم حرّكني للتذكير بحقيقة تكاد تكون منسيّةً ، عند عموم النقاد والساخطين على ما يجري هنا وهناك من ممارسات 
خاطئة، وكأنَّ 
الممارسة الخاطئة جزء لا يتجزأ من كلّ عراقي وعراقية ..!!
انّ وراء إشاعة هذه الأوصاف السلبية، والاشاعات السوداء، دوائر معادية للعراق والعراقيين، فكيف يتلقفها المتلقفون دون تأمل
 وتمحيص؟!
انهم يلعنون أنفسهم من حيث لا يشعرون .