د. إبراهيم بحر العلوم
اعترضت المكسيك مؤخراً على قرار الأوبك + بتخفيض 400 ألف برميل يومياً من إنتاجها المقدر بـ 1750 برميل يومياً في المرحلة الأولى، وأبدت موافقتها الأولية على 100 ألف برميل يومياً، وأبقت العالم مشدوداً لجهود القادة من أجل إقناعها بالقبول بنسبة التخفيض. ما اضطر الرئيس الأميركي الى التحدث مباشرةً مع نظيره المكسيكي لإقناعه بالتعاون مع الدول المنتجة لتمرير القرار واعداً بالتعويض، وما زالت المكسيك متمسكة بتحديد نسبتها من التخفيض بما يتناسب وواقعها الاقتصادي.
والغريب أنّ العراق وهو المتضرر الأكبر في قراري التاسع من آذار والعاشر من نيسان. وقد كان القرار السعودي في التاسع من آذار الماضي قراراً انفرادياً ارتجالياً أضر باقتصاديات الدول المنتجة كافةً حيث خسر النفط قرابة ٢٣ بالمئة من سعره، ويعتبر هذا الانخفاض الحاد في الأسعار الثاني من نوعه منذ ثلاثة عقود، حيث شهدت الأسواق انخفاضاً أكبر من الشهر الماضي لامس ٣٢ بالمئة وكان تحديداً في ١٧ كانون الثاني ١٩٩١ عندما شنت دول التحالف الدولي الحرب ضد العراق بسبب غزوه للكويت، فتوقفت صادرات العراق النفطية حتى تنفيذ برنامج النفط مقابل الغداء عام 1996، وقد استحوذت بعض دول الجوار في الأوبك على حصة العراق في السوق.
ورغم الضرر الذي أصاب العراق في الشهر الماضي جراء القرار السعودي، فقد غاب الصوت العراقي المشارك في اجتماعات التاسع من آذار الماضي عن إيضاح موقفه كدولة تحتل الموقع الثاني في الإنتاج، كان من المتوقع أن تكون للعراق رؤية واضحة لما حدث سواء سلباً أو إيجاباً والتحلي بالجرأة لتوجيه انتقادات مباشرة أو غير مباشرة الى السعودية بسبب قرارها الذي اتخذته دون العودة الى أعضاء الأوبك ما أحدثَ انهياراً في السوق.
كان ينبغي على العراق المطالبة بالتعويض عن الخسارة التي لحقت به جراء هذا القرار المتسرع الذي أهمل مصلحة دول الأوبك الأخرى وتسبب في خسارة العراق نصف إيراداته النفطية، إنّ الأوبك منظمة تضامنية تعمل على ضمان مصالح أعضائها، ويفترض أن تكون قراراتها بالإجماع. أمّا الانفراد بالقرار دون التفاهم على الأقل مع العراق باعتباره المنتج الثاني والمتضرر الأول فليس له ما يبرره. أنْ تتصدر السعودية الأوبك باعتبارها المنتج الأكبر ويشكل إنتاجها 40 بالمئة من مجموع انتاج دولها أمرٌ مقبول شرط أن تحافظ على مصالح دول المنظمة، فمصلحة الأوبك في مصلحة جميع أعضائها وليست مقتصرة على مصلحة المنتج الأكبر فقط.
وحتى في اجتماع الأعضاء العشرين في العاشر من نيسان الجاري وإتخاذ قرار التخفيض، كانت حصة العراق من التخفيض حوالي مليون برميل يومياً في الشهرين المقبلين و٨٥٠ ألف برميل يومياً حتى نهاية العام الحالي، و650 ألف برميل يومياً حتى نيسان 2021، وكان اعتراض العراق على تغيير مستويات النفط المرجعية لكل من السعودية وروسيا في محله واسهم في تخفيضها جزئياً، لكنه لم يعترض باعتباره المتضرر الأول من القرارين على طريقة إدارة الازمة وما آلت اليه.
أنّ العالم باجمعه على دراية بالأوضاع المالية والإقتصادية والعجز الذي يعانيه العراق وأنّ موازناته تعتمد أساساً على إيرادات النفط. فتخفيض ما معدله 750 ألف برميل يومياً من إنتاجه ولمدة عامين سيؤثر في إيراداته، خاصة انّه سيطال حقولنا النفطية بالدرجة الأولى وأشك في أن يمتد الضرر الى حقول الإقليم، وثانياً انّ معظم التخفيض سينال الحقول النفطية في جولات التراخيص، وعلينا دفع remuneration fees ما يُحمّل العراق خسائر إضافية تقارب ربع مليار دولار على مدى فترة التخفيض. إنّ التزام العراق بقرار التخفيض على مدار عامين (الفترة المقترحة للتخفيض) سيخسر بسببه حوالي إنتاج شهرين كاملين بحساب معدلات الإنتاج الحالية، وصحيح قد تنجح آلية التخفيض بتقليل الفائض في السوق وتحسين الأسعار لكن لِمَ يتحمل العراق القسط الأكبر من الخسارة وتُغفل مطالبته
بالتعويض.