بعدما فقدت سهيلة حميد، زوجها في معارك تحرير المدن العراقية من سيطرة داعش عام ٢٠١٦، اضطرت إلى دفع طفلها الذي لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره للعمل، “ لتوفير قوت يومهم”، كما تقول. إلا أن طفلها، الذي صار يعمل في ورشة لصيانة السيارات وتصليحها، لم يكمل دراسته الابتدائية. فبعد المواظبة اليومية على العمل ترك الدراسة.
وتضيف الام التي يبلغ طفلها من العمر 11 سنة، لم أكن راضية على تركه للدراسة، كنت أفكر في أن يكون عمله خلال أيام العطل، ولكن سوء وضعنا المادي، وصعوبة العثور على عمل بديل يناسبه، إذا لم يواظب بدوامه اليومي، دفعانا للتنازل عن الدراسة. وحسب وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقي، فان عمالة الأطفال في البلاد تشكل نحو (٤.٩٪) بالمئة في البلاد.
وتعزو الخبيرة في علم النفس الاجتماعي الدكتورة نهلة الحسني تزايد نسب عمالة الأطفال للتدهور الاوضاع المعيشية بعد فقدان المعيل بسبب الإرهاب
والحروب.
وتضيف أن خطورة هذه الاوضاع لن تتوقف عند عمالة الأطفال فقط لتوفير لقمة العيش، بل أن الكثير من السلوكيات المخيفة يتعلمها ويتربى عليها هؤلاء الأطفال من عنف وجريمة وغير ذلك، كلها تستدعي تخريب المجتمع وتدمير اجياله ومستقبلهم.
تحمل المسؤولية
علي، الذي يبيع المياه والبخور في مقبرة ببغداد، تسكن عائلته بالقرب من المقبرة. يقول: من سنوات وأنا أعمل في هذه المقبرة، وكل ما احصل عليه يأخذه مني أبي، كي نوفر لقمة العيش.ويعتقد علي، الذي لم يتجاوز 13 سنة من عمره، أن عليه تحمل المسؤولية من صغره ليكون ناجحاً بحياته عندما يكبر، لكنه رغم ذلك يقول إنه لا يفكر بالمدرسة التي لم يدخلها للدراسة ابداً.
ويضيف علي: هناك الكثير من هم بعمري وأصغر مني يعملون هنا، بعضهم يدرس ويعمل، وغيرهم لم يدخلوا المدرسة، لأنني أعرف أن الدراسة لن تنفعني بشيء إذا لم يكن في جيبي ما أحتاجه من
مصروفات يومية.
اتقان العمل
إلا أن نور حسن، 15سنة، لم توافقه الرأي في أن الدراسة لن تنفعها بشيء، وتقول إنها تتمنى أن تترك العمل وتعود لإكمال دراستها، لكن أوضاعهم المعيشية
لا تسمح بذلك.
كانت نور، في العاشرة من عمرها، وتدرس في المدرسة عندما تعرض والدها لحادث تفجير إرهابي في واحدة من شوارع بغداد، لتبدأ بعدها بأشهر قليلة بمساعدة أمها بصناعة وبيع المواد الغذائية، مثل الكبة والكليجة في البيت.
وتضيف: أن أمها كانت تشجعها على اتقان العمل، ووجدت أن العمل يمنعها من مواصلة الدراسة، حتى تركتها.
قانون حماية الطفولة
وتعترف الناشطة بحقوق الأطفال نادية خليل، أن واحدة من الأسباب الرئيسة وراء رغبة الأطفال في العمل هو المجتمع وتركيبته القبلية، إذ يعتبرها طبيعية جداً، بل هناك من العوائل من تشجع الأطفال وخاصة الصبية على العمل وترك الدراسة، وما يشجعهم على هذا انعدام فرص العمل المناسبة للخريجين من الجامعات. وتقول إن بعض العائلات تشعر بالضيق أو بالاستياء حينما لا يجب أبناؤها فرصة للتوظيف أو العمل بعد التخرج من الجامعة، وتجد أنه قد ضيع سنوات عمره في الدارسة، بدلا من أن استغلالها في
اجادة عمل ما.
وتضيف خليل إن مهمة التخلص من تزايد نسب عمالة الأطفال ليست بسهولة الحديث عنها، لن الكثير من الأطفال اليوم مسؤولين عن اعالة عوائل قد تموت جوعاً لو قمنا بمنع اطفالها من العمل.
وتشير إلى أن اهمال تشريع قانون حماية الطفولة في العراق، وكذلك ضعف تنفيذ قانون التعليم الالزامي، الأمر الذي يدفع الكثير من الأهالي على تشجيع أطفالهم أو
اجبارهم للعمال.