حمزة مصطفى
أخيرا وبعد جهد طويل وجهود مباركة من قبل جميع القوى والكتل السياسية والأحزاب والمنظمات والحركات والعشائر والأفخاذ والأسر تمكنا من إيجاد مصدر آخر قابل للتصدير غير النفط. لم يعد حراكنا السياسي مثل اقتصادنا وحيد الجانب. ففيما تنتقل الدول من الاقتصاد الواحد أو الريعي الى اقتصاد السوق والتنافس والمبادرة الحرة, فإن حراكنا السياسي انتقل من حراك أحادي الى حراك متعدد الأوجه والجوانب والاتجاهات. كل ذلك بسبب "المندسين" الذين كلما دخلوا تظاهرة أفسدوها وجعلوا مطالب أهلها المشروعة "مايلبس عليها عكال".
قبل ظهور جماعة السترات الصفراء في فرنسا واستمرار تظاهراتهم التي بلغت مراحل متقدمة من عمليات الحرق والتدمير لأهم معالم فرنسا .. شارع الشانزليزيه وقوس النصر كانت مفردة "المندسين" خاصة بتظاهراتنا فقط. فحتى مع بدء تظاهرات الربيع العربي عام 1011 والتي أطاحت أنظمة سياسية في تونس ومصر وليبيا وأحرقت الأخضر واليابس في سوريا والرؤية لاتزال غامضة لم يتحدث أحد عن مندسين. المندسون ظهروا عندنا منذ بدء التظاهرات عام 2015 وحتى اليوم.
فكلما غضبت جهة سياسية سواء كانت حكومية أم قريبة منها أو معارضة للحكومة وبعيدة عنها من سلوك معين يصدر عن المتظاهرين تلصق هذا السلوك بـ "مندسين" غالبا ما يحملون أجندات خارجية تآمرية مثل أولئك الذين تآمروا على وزارة التربية طبقا لبيانها التاريخي. ببساطة شديدة تم عزل التظاهرات أيا كانت أهدافها ومراميها بحيث بقيت "بطرك" الممارسة الديمقراطية التي يضمنها الدستور.
فللمواطن حق التظاهر ليلا ونهارا عن أية قضية أيا كانت, صغيرة أم كبيرة. خدمية أم إقتصادية, سياسية أم إدارية. كما له الحق في رفع شعارات وهتافات شريطة أن تستهدف الفاسدين "طالما لايعرفهم أحد,والدليل الجميع يحاربهم من أعلى المسؤولين حتى أصغرهم" والفاشلين "أيضا ليسوا معروفين" والسراق والحرامية "لم يتعرف عليهم أحد" و"البواكة" وهؤلاء تم العثور على خيوط
أولية لمعرفتهم.
لكن إذا عرف المواطن المتظاهر المحمي دستوريا فاسدا واحدا أوفاشلا واحدا أو "بواكا" واحدا فإن التظاهرة تكون قد إنحرفت عن مسارها. فالمواطن لايعرف من هو الفاسد والفاشل و"البواك" حاله في ذلك حال كبار رجال الدولة الباحثين ليل نهار عن هؤلاء حتى يضربوهم بيد من حديد. لكن إذا قال أحد المتظاهرين أن الفاسد أوالفاشل أو الحرامي فلان فإن هذا إنسلخ عن كونه مواطنا صالحا يحميه الدستور والقانون الى مندس ينفذ أجندات خارجية. هذه "الفيكة" سرعان ما استوردها إيمانويل ماكرون منا وراح يتحدث عن مندسين بين ذوي السترات الصفراء. هذا ماتحدث عنه وزير الداخلية الفرنسي بالحرف حين قال المندسون هم من حرق المقرات. وفي السودان حيث إندلعت التظاهرات مؤخرا ظهر مراسل العربية الحدث يصف مايجري. وعندما سألته نجوى قاسم عن رؤيته لما يجري قال أن المسؤولين السودانيين يتحدثون عن مندسين اخترقوا التظاهرات السودانية. فالمواطن السوداني الباحث عن "كرصة" خبز رخيصة من حقه البحث عنها ليل نهار طالما الدستور يضمن ذلك.
أما إذا قال مواطن واحد أن "حمزة مصطفى" هو من سرق الخبز يطلع هذا المواطن "مندس".