عبد الحليم الرهيمي
بعد توقف مؤقت لعدة اشهر عاودت حركة الاحتجاجات المطلبية السلمية الغاضبة للبصريين نشاطها مجدداً رافعة الشعارات والمطاليب ذاتها التي رفعتها في حراكها السابق ، لكنها عمدت هذه المرة الى رفع سقف تلك المطالب بشعارات ومطالب جديدة . ففي مساء يوم الجمعة المنصرم (21/12) حاولت مجموعة من الشباب الغاضبين ، كما ذكرت ذلك وسائل الاعلام ، اقتحام مبنى مجلس المحافظة فتصدت لها عناصر من الاجهزة الامنية بالقنابل المسيلة للدموع لمنعهم من القيام بذلك ، لكنهم لم يتراجعوا عن التمسك بمطاليبهم ورفع سقفها هذه المرة ، وذلك بالمطالبة بإقالة المحافظ سعد العيداني ومجلس المحافظة ورفعوا هاشتاغ (جمعة الغضب) بينما ارتدى بعضهم (السترات الصفراء) اقتداءً بالمحتجين الفرنسيين ، حيث ينبئ كل ذلك بأن تتجه تطورات الاحداث نحو التفاقم . ان لم تتوفر الحلول الناجعة لها .
ولأن الاهداف والمطاليب المحقة والمشروعة التي طرحت سابقاً لم تتحقق فقد تزايد وارتفع سقفها مع مرور الوقت حيث ترافق ذلك ، ويترافق ، مع احتدام أزمة الصراع الساخن بين الكتل السياسية في المحافظة من اجل تنصيب محافظ جديد بدلاً من المحافظ (النائب) العيداني المتمسك بمنصب المحافظ حتى الآن لاسيما في ظل ما كشف عن تسلمه من رئيس الحكومة السابق مبلغ 800 مليار دينار مع منحه صلاحيات استثنائية ، وهو الأمر سال ويسيل من أجله لعاب الجميع لنيل كل منهم حصته من الكعكة (التي أصبحت قالباً) بينما يتعذب المواطن البصري ويعاني من المشاكل والازمات التي تعاني منها محافظته المتمثلة أساساً بافتقاد أبسط الخدمات ومن البطالة وجوع
الفقراء منهم ! .لقد اختارت الحكومة السابقة أسلوب ينفي التعامل مع حركة الاحتجاجات الناجمة عن الأزمات والمشاكل المتفاقمة في المحافظة ، الأول : اطلاق الوعود بحل المشاكل التي تعاني منها وخاصة ملوحة المياه والوعد كذلك باطلاق عشرة الاف درجة وظيفية او فرص عمل ، والثاني اللجوء للحل الامني أملا في الحد من زخم تلك الاحتجاجات . غير ان التعامل بهذين الاسلوبين لم يحقق اهدافه ، فلا الوعود تحققت الاّ جزئياً ، ولا الحل الأمني اوقف حركة الاحتجاجات ومطاليبها ، انما ارتفع سقفها في
الفترة اللاحقة.وبالطبع ، فإن الحكومة الحالية سوف لن يحالفها الحظ ان هي لجأت الى أسلوب الحكومة السابقة للتعامل مع الانطلاقة الجديدة لحركة الاحتجاجات ما لم تبتدع اساليب واجراءات عملية جديدة وجريئة وشجاعة اولها واهمها الاستجابة لمطلب اقالة المحافظ ومجلس المحافظة والدعوة لانتخاب محافظ جديد ونائب له مباشرة من ابناء المحافظة يعتمد في عمله الى مستشارين من الخبراء المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة لشؤون التعليم والصحة والاعمار والخدمات .. وتعميم ذلك تالياً على بقية المحافظات . اما (الثاني) فهو ملاحقة ومساءلة الفاسدين من الذين تصدروا إدارة المحافظة طيلة السنوات الخمس
عشرة الماضية .
لقد حققت حكومة العبادي العديد من الانجازات المهمة وأخفقت في العديد من الاجراءات والسياسات غير ان ما يسجل لها هو القرار المهم والشجاع الذي اتخذه في فترة تصريف اعمال حكومته وهو (أحالة المحافظين ورؤساء المجالس " في البصرة وكل محافظات العراق" الى لجان تحقيق دائمية ) حيث كشفت وثيقة رسمية نشرتها وسائل الاعلام صادرة من سكرتارية الهيئة العليا للتنسيق بين المحافظات انه ( أستناداً الى كتاب مكتب العبادي تقرر تشكيل لجنة تحقيقية دائمة تتولى مهمة اجراء التحقيقات الادارية مع المحافظين ورؤساء واعضاء المجالس ) .
ان الحكومة الحالية ورئيسها معنيون بمتابعة وتفعيل هذا الاجراء ، وتطويره حتى ، تتم من خلاله مساءلة ومحاسبة جميع المحافظين واعضاء مجالس المحافظات منذ العام 2003 حتى الان ، أدارياً ومالياً ، حيث ستتوصل لجان التحقيق الدائمية الى وضع اليد على مليارات الدنانير المسروقة او المهدورة من قبل عدد غير قليل منهم ، ثم السعي الجاد والحازم والشجاع لاستعادة تلك الاموال ، لاستثمارها في مشاريع ستراتيجية مهمة ، وفي اعادة تأهيل عشرات المصانع المعطلة ينجز عدد منها خلال ستة اشهر وبما يوفر عشرات الاف من فرص العمل على ان تنجز البقية
لاحقاً .
واذا كان الحديث عن الحلول لأزمات البصرة ومطالبات حركة الاحتجاجات يشير الى العديد من الحلول الممكنة وغير الممكنة لكنه يتجنب الحديث والاشارة الى الحل المتمثل بملاحقة ومساءلة الفاسدين والفساد ، أدارياً ومالياً ، في المحافظة ، الذي يشكل اكثر الحلول العملية لما تعانيه البصرة والبصريون .. صحيح ان هذه المعالجة صعبة ومعقدة لكن يجب خوض غمارها بثقة وشجاعة ، لتكون نموذجاً لأصلاح أوضاع بقية المحافظات التي تعاني وأهلها ما عانته وتعانيه البصرة وأهلها منذ عقود!