لم يحدث ان تنفصل التربية فصلاً قسريا عن التعليم العالي مثلما حدث مؤخرا ؛ حيث اتسعت الفجوة بين الوزارتين على الرغم من تداخل اغلب مفاصلهما ومخرجاتهما ، وقد وصلت الغربة بين الوزارتين الى الحد الذي يخوض فيه طلبة الجامعات امتحانات الفصل الأول ، بينما تجرى امتحانات الدور الثالث لطلبة السادس الاعدادي ليلتحق بعدها الطلبة الناجحون بالجامعة .
وقد تسبب هذا الخلل بتعثر واضح في العملية التعليمية ألقى بظلاله السلبية على المستوى العلمي ورصانة التعليم ؛ فضلا عن عملية تغيير المناهج في وزارة التربية التي صارت تجري بشكل موسمي على الرغم من مناشداتنا وكتاباتنا في الصحف او ما نقوله في الاعلام المرئي .
الآن ، وبعد أن استقر الأمر في الوزارتين واستلم الوزيران الجديدان مهامهما ؛ وبعد ما لاحظناه من اجراءات جديدة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وهي اجراءات تهدف ـ من دون ادنى شك ـ لانتشال التعليم مما وقع فيه من تعثر لكي يعود العراق الى مكانته العلمية المميزة ، ننتظر أن يكون هناك مشترك ما ، يسهم في التقارب بين الوزارتين ويحطم جدران الغربة التي تفصلهما ، وهذا لن يتم بسهولة ويسر أو بمخاطبات رسمية ، بل يمكن ان يتحقق بتأسيس مشترك لمجلس او هيئة ، يكون واجبهما اعادة الألفة بين الوزارتين .
لا يخفى على أحد ان معهد الفنون الجميلة تابع لوزارة التربية ، وكلية الفنون الجميلة تابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، وكلا مخرجاتهما يصبان في حقل ابداعي واحد ؛ ومثل ذلك الكثير من المشتركات ، فضلا عن حاجة التقارب للارتقاء بالعلم بدءا من مراحل تعاطيه الاولى حيث المدارس الابتدائية والمتوسطة والاعدادية ، الى ان يصل الطالب الى الكلية مؤهلا ومسلحا بالعلم والمعرفة ؛ لكننا صرنا نشاهد ـ بسبب الغربة القاتلة بين الوزارتين ـ بعض طلبة الكلية بل حتى طلبة الدراسات العليا لايجيدون حتى ابسط قواعد القراءة والكتابة السليمتين ، بل نرى مطبات كبيرة في الاملاء واللغة ، وهذا سببه غربة طلبة وزارة التربية عن الثقافة وقراءة الصحف وعدم حث الطلبة على الاطلاع الخارجي والتثقيف اليومي .
لذلك والوزارتان المسؤولتان عن الوعي العراقي وعن رسم واجهة البلد المشرقة ، في بداية دورتهما الحالية ، نتمنى على الوزارتين هدم الهوة الشاسعة التي تفصلهما والتأسيس لمجلس التربية والتعليم يضم خبراء معنيين ، وتكون مهام المجلس تقديم الدراسات والخطط السريعة لتصحيح المسار التعليمي الذي تعثر مؤخرا ؛ كلنا أمل وتفاؤل بأن البلد الخارج من طواحين الحروب آن له أن يتنفس العلم والمعرفة.