اثار قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب انسحاب القوات الاميركية من سوريا وافغانستان الكثير من التساؤلات لجهة مغزى هذه الخطوة والاسباب التي دعته لاتخاذ مثل هذه الخطوة .
واختلفت الاراء والتحليلات بشأن الخطوة التي ترتبط بالوضع الامني في منطقة الشرق الاوسط وتداعياتها على مجمل الاوضاع في المناطق الرخوة سواء في شمال افريقيا او شبه القارة الهندية ولربما في اوروبا ومنطقة القوقاز ايضا .
البعض رأى فيها هزيمة للسياسة الاميركية في منطقة الشرق الاوسط لانها لم تستطع ان تحقق اهدافها في اسقاط الحكومة السورية الشرعية ، كما انها لم تستطع تركيع ايران للهيمنة الاميركية ، اضافة الى انها لم تستطع ان تحقق اهدافها في اليمن . فالوضع في سوريا بات على ابواب تشكيل اللجنة الدستورية من خلال الجهود التي تبذلها روسيا وتركيا وايران بمساعدة المبعوث الاممي والتي تريد الاتجاه لوضع الدستور كمقدمة لاجراء انتخابات رئاسية بمساعدة الامم المتحدة لتعزيز الامن والاستقرار في سوريا بمساعدة كافة الفصائل السورية السياسية .
وفي ايران فان الرئيس ترامب لم ينجح من الجلوس معها على طاولة مفاوضات للتوصل الى اتفاق يكون بديلا للاتفاق النووي الذي ابرمته طهران مع السداسية الغربية عام 2015 والذي صدر بموجبه القرار 2231 الصادر من مجلس الامن الدولي ، في الوقت الذي مازالت الدول الاوروبية ومعها الصين وروسيا ملتزمة بهذا الاتفاق باعتباره الخيار الافضل لحل الملف الايراني بغياب اي مشروع اخر .
اما اليمن فانه انتهى حتى الان بنهاية الى عقد لقاء مباشر بين طرفي النزاع في العاصمة السويدية استوكهولم والتأكيد على ضرورة حل المشكلة اليمنية داخليا وسياسيا بمشاركة جميع الاطراف اليمنية ، وهو ما اثبت عدم فعالية الخيار العسكري الذي اراد انهاء الارادة الحوثية ، واعترف بحكومة صنعاء بانها جزء من العملية السياسية التي تستطيع اعادة الامن والاستقرار بعيدا عن الخيارات العسكرية .
البعض الاخر ، رأى في الخطوة الاميركية بانها اعادة انتشار وتموضع استعدادا لجولة جديدة من الصراع وعدم الامن في منطقة الشرق الاوسط ، الهدف منها استهداف ايران بشكل خاص ومحور الممانعة بشكل عام . حيث يذهب هذا البعض الى نية الولايات المتحدة تسوية المشاكل العالقة في الشرق الاوسط للاستفراد بايران تزامنا مع "الحرب الاقتصادية" التي تشنها ضد ايران على حد وصف الايرانيين ، والعمل مع اسرائيل من اجل ضرب " حزب الله" ذراع ايران القوي في المنطقة .
فيما يرى البعض الثالث ان الخطوة الاميركية تشوبها الضبابية وعدم الوضوح ، ولايمكن التكهن باهدافها بهذه السرعة وبهذه البساطة لان دولة مثل الولايات المتحدة التي تعتبر من اقوى دول العالم لابد وانها تضمر اهدافا غير تلك المعلنة ، وبالتالي فان الحكمة تدعو للتريث وعدم الاستعجال في التقييم حتى لاتكون ردود الافعال متسرعة لاتنسجم مع الاهداف الحقيقية لخطوة الانسحاب .
وامام هذا المشهد ، يجب التذكير ان الرئيس ترامب لم يخف نواياه لابتزاز دول العالم سواء في منطقة الشرق الاوسط ، او اوروبا ، او الصين وروسيا ، وحتى دول بحر الصين . فهو قال لاكثر من مرة سواء في حملته الانتخابية او مابعدها بانه لايريد ان يدافع عن الاخرين دون مقابل . واستنادا على ذلك استلم من السعودية 460 مليار دولار كعربون للدفاع عنها . كما انه قال بداية العام 2018 ان بقاءه في سوريا يكلف 7 مليار دولار .
اضافة الى ذلك ، يخطئ من يعتقد ان قرارات الرئيس ترامب هي قرارات فردية عبثية متهورة غير مدروسة تفتقد للاهداف والدوافع . ان الدولة المؤسساتية العميقة التي توصف بها الولايات المتحدة تمنع قرارات من هذا النوع، وبالتالي فهي تمثل وسطا سياسيا معينا متغلغلا في كافة مراكز القرار في الولايات المتحدة شأنها شأن تأثر عهد الرئيس الاميركي جورج بوش الابن بافكار المحافظين الجدد انذاك .
يبقى القول ، ان انسحاب القوات الاميركية من سوريا يصب بالتأكيد لصالح الحكومة السورية ، كما انه يصب لصالح الجهود التي تبذلها الدول الراعية لمناطق حفظ التوتر في سوريا ، ايران وتركيا وروسيا من اجل استتباب الامن والاستقرار في سوريا ، لكنه في ذات الوقت يحمل استحقاقات واعباء اضافية لهذه الدول الثلاث .
فاذا تمكنت هذه الدول من رفع مستوى التنسيق واتجهت لحل خلافاتها بشأن الوضع في سوريا عندها يمكن التكهن بامكانية مواجهة هذه الاستحقاقات بما يخدم الامن والاستقرار ليس في سوريا فحسب وانما في المنطقة باسرها .
* كاتب ومحلل سياسي