ماذا تريد بريطانيا من العراق وماذا نريد منها ؟

آراء 2018/12/28
...

*عصام عباس أمين
 
في كل لقاء يجمع بين العقول العراقية والعقول الغربية، تظهر منذ البداية الفروق الواضحة في التفكير ومقاربة المشاكل المطروحة، ربما تجسد ذلك بصورة واضحة في اللقاء الذي جمع السفير البريطاني في العراق (جون ويلكس) مع نخبة من السياسيين والباحثين العراقيين في منتدى بحر العلوم، حول الاجابة على سؤال محدد كما جاء في العنوان.
ففي الوقت الذي يغمرنا نحن العراقيين نوع من الاحباط فيما يتعلق بحاضر ومستقبل بلدنا في ظل تراكم وتفاقم الكثير من المشكلات، قدم السفير البريطاني رؤية مليئة بالأمل والثقة، الأمر الذي دفع بعض الحاضرين لاتهامه بانه استخدم لغة دبلوماسية، وانه اخفى الكثير من الحقائق، فثقة العراقي بـ (ابو ناجي) امر معروف لدى الطرفين.
بداية أكد السفير البريطاني :أن نجاح العملية السياسية في العراق يحتاج الى موظفين مدربين تدريبا عاليا وخبرة معاصرة، ولدى العراق فرصة للقفز الى الامام، ويمكن تحقيق ذلك عن طريق توفير الدعم في الثورة الرقمية والتكنولوجيا الحديثة من خلال الشركات التقنية البريطانية. ومن المهم في هذه المرحلة العمل على لملمة الجرح بين المكونات العراقية، وان تكون الوطنية والمواطنة هو العنوان الذي يجمع الكل. مع العرض بان بعض الايديولوجيات القومية والاسلامية لا تعمل على ذلك، فالتيار الاسلامي مثلا يؤكد على فكرة المجتمع الاسلامي والامة الاسلامية، هذا الاختلاف بشأن شكل الدولة امر مفهوم، وواضح انه يعكس انقساما مجتمعيا في العراق، تماما مثلما يحصل عندنا في بريطانيا اليوم بشأن الخروج من الاتحاد الاوروبي، فنتيجة الاستفتاء اظهرت انقساما وبنسبة النصف الى النصف بخصوص قضية البريكست.
واضاف : ان الانقسام المجتمعي في بريطانيا دفع الجميع لاستخدام التكتيكات بخصوص مقاربة هذه المسألة الحساسة، لان أي خطـأ من أي جهة سيكلفهم كثيرا، وهذا ما يحصل اليوم في البرلمان العراقي، الامر المهم في هذا، ان بعض التكتيكات تتحول بفعل الانقسام المجتمعي الحاد بخصوص القضايا الحساسة والمصيرية الى فعل ستراتيجي ومواقف شبه نهائية. لذلك فإننا سنتناول تحليل الوضع العراقي من حقيقة انه منقسم ايضا وبنسبة النصف الى النصف بين دولة المواطنة والدولة الاسلامية. والى ذلك اشار السفير الى :ان النظام الديمقراطي في العراق ليس سببه الاميركان او البريطانيين، بل جاء بسبب قبول الحوزة العلمية في النجف بذلك. ونحن نشجع الدعم الشيعي في هذا المنحى. لكننا نعرف في نفس الوقت ان الاقبال على الانتخابات الاخيرة كان ضعيفا، وهناك الكثيرون ممن يقولون بحلول قوية وحازمة مع الحنين لوجود زعيم قوي، لكن في نفس الوقت لا احد يريد التحول أو العودة الى النظام الديكتاتوري، لان الجميع مقتنعون بأن التفكير باي بديل عن الديمقراطية في العراق يعني الفوضى والخراب مثل ليبيا.
 
الدين والسياسة
 ويعتقد :بان فكرة الدولة المدنية موجودة في العراق، لكن التيار الاسلامي يريد شيئا آخر، لذلك ولكي ننجح ببناء الدولة المدنية لابد من العمل لبناء المجتمع المدني في العراق. والامر المشجع هنا انني دائما ارى ان مستوى العنف في الشرق الاوسط مقارنة مع اوروبا في القرن الماضي هو اقل بكثير، فدائما كان يرافق قراراتنا الكبرى قدرا عظيما من العنف. بمعنى أنتم افضل منا من هذه الناحية، ونحن في بريطانيا اليوم اكثر نضجا في التعامل مع قضية البريكست بهدوء وبطريقة غير عنفية.
 
الاصلاح في 
القطاع الامني والاقتصادي
يقول السفير :لا نريد تكرار انموذج لبنان في العراق، نريد دولة موحدة، فنحن لا نرى أي فرصة للتقدم اذا لم نحقق اعادة بناء الدولة والقوات المسلحة. كما اننا نرى ضرورة القيام بالإصلاح الاقتصادي والاهتمام بمشاريع البنية التحتية، السؤال كيف نحقق ذلك؟ والجواب قد نجده جاهزا في كتاب دوغلاس نورث (العنف والنظام المجتمعي). والذي ناقش فيه قضية محددة في اطار سؤال محدد. وهو لماذا نجحت بعض الامم في التنمية في حين اخفقت أمم اخرى؟ فمن خلال البحث وجد (دوغلاس مول) ان بداية بناء الدولة تأتي عادة بعد نزاعات وصراعات طويلة، فالناس يتصارعون عادة حول السيطرة والنفوذ، وبعد أن يتحقق لهم ذلك، تنمو لديهم القدرة الستراتيجية أو (النضج السياسي). وفي العراق نحن نشعر بان الطبقة السياسية قد اكتملت مرحلة النمو وهي اليوم وصلت مرحلة النضج السياسي. وهم يعملون اليوم من اجل تحقيق الدعم الشعبي وكسب الشرعية. ولهذا فان الطبقة السياسية ملزمة اليوم باتخاذ قرارات صحيحة والا سيفشلون، فعليهم ان يعتمدوا على تطبيق القانون واحترام قواعد اللعبة السياسية من اجل المصلحة المشتركة. واذا حدث هذا فالأمور ستجري في الاتجاه الصحيح. وتحليلي الشخصي بان الطبقة السياسية في العراق احترمت قواعد اللعبة مثل الاتفاق المعلن حول ضرورة مكافحة الفساد مثلا.
العنصر الثاني والمهم بعد اتفاق السياسيين على قواعد اللعبة، عليهم افساح المجال امام المؤسسات الاخرى لأخذ دورها، مثل القطاع الخاص، الحوزة العلمية في النجف، الحكومات المحلية، فنحن مثلا نلاحظ نجاح حكومة الاقليم في تحقيق الامن والاستقرار. 
كما أن من المهم جدا، الانتباه الى ان مستوى الفقر في العراق عال ويترافق معه ضغط عالي بسبب النمو الديموغرافي غير الطبيعي، فالعراق يزداد سنويا بمعدل مليون شخص، وهذا يتطلب عمل كبير في البحث عن الحلول لامتصاص ذلك، ربما احداها البحث عن استثمارات داخلية واجنبية. واذا كنتم تريدون شراكة في هذه المجالات فان حكومة بريطانيا ترحب بكم، لا بل جميع البلدان ترحب بكم بعد انتصاركم على داعش.
بعد حديث السفير بدأت النخبة العراقية بطرح وجهات نظرها، حول طبيعة العلاقة بين البلدين، وباختصار شديد، كانت جميع الطروحات تستند الى التاريخ في تحليل تلك العلاقة، فما يقدمه التاريخ يفسد أي مشروع طموح، فما بالك لو قيمنا تجربة بريطانيا في البصرة بعد 2003، التي كانت مخيبة للآمال.
اعترف السفير: بان تاريخا لعينا يلاحق بريطانيا،لان بريطانيا كانت الدولة الاولى في استعمار الشعوب، لكن ذلك التاريخ انتهى، والعالم اليوم غير عالم الامس، فعلاقة بريطانيا مع اميركا والهند اليوم جيدة رغم تاريخ من الالم والماسي، والافضل لنا ان نغادر التاريخ ونبحث عن الفرص الحقيقية، فبريطانيا قادرة على دعم العراق ونحن جاهزون.  
 
* محاضرة للسفير البريطاني في العراق في ملتقى بحر العلوم يوم الثلاثاء 18 ك1 2018