الايمان والسكينة النفسيّة

آراء 2018/12/29
...

حسين الصدر 
 

انّ صدمات الدهر الخؤون الكثيرة - التي لا ينجو منها معظم الناس - ، لا تُطفأ نيرانُها المستعرة الاّ بسحائب التسليم لأمر الله ، والثقة بعدلِهِ، والاّ فانّ قدرة الانسان على التحمّل محدودة ، وقد يضيق ذرعا بما هو ليس بالخطير الكبير من النوازل فكيف بالرزء 
العظيم ؟.
إنّ الايمان العميق بالله سبحانه يحوّل الجزع الى صبر ،والضعف الى قوة ،والقنوط الى أمل ،والانكسار الى توازن ، وهكذا تحتفظ الشخصية المؤمنة بسلامتها أمام تلك العواصف 
الهوجاء .
ليست هناك سلوة نفسية أعظم من تلك السلوة التي يُفجّرُها الايمان في النفس البشرية ويغمرها بنفحاته ...
هل تذكرون كلمات الامام الحسين (ع) الخالدة يوم عاشوراء وهو في غمرة توالي المصائب 
عليه ؟
قال (ع) :
(هوّن ما نزل بي أنه بعين الله ) 
ومن هنا :
فلم يكن يبالي بتوالي تلك المحن عليه، فهي منظورة بعين الحاكم العادل ، الذي لا يُسقط منها ذرةً في حسابه الدقيق، يوم يقف الناس بين 
يديه .
تقول الاحصاءات :
ان نسبة الانتحار في البلدان الاسكندنافية – وهي من أكثر البلدان رفاهية ورخاءً – هي أعلى النسب في العالم ،
لماذا ؟ 
لأنها أكثر البلدان خواءً 
روحياً ..!!
انها ضيّعت الايمان فضاعت في دروب القلق ، الذي قادتها الى تلك النهاية السوداء .
 
ومن المفيد أنْ ننقل لكم حكاية الأم التي أصيبت بابنها، فقابلتْ تلك المصيبة بالصبر العجيب ، ولم تغفل عن القيام بمتطلبات الضيافة 
يقول الراوي :
(خرجت مع صديق لي بالبادية فأضللنا الطريق ...، رأينا في يمين الطريق خيمة فقصدناها فسلّمْنّا ، فاذا امرأة ردّت علينا السلام فقالت : من أنتم ؟
قلنا : "ضالين قصدناكم لنأنس بكم" 
فقالت : أديروا وجوهكم حتى أعمل من حقكم شيئا ، ففعلنا ، فبسطت لنا مسحا 
وقالت :
اجلسوا حتى يجيء ابني ، وكانت ترفع طرف الخيمة وتنظر ، فرفعتها مرة فقالت :
أسأل الله بركةَ المُقبل ، وقالت :أما الناقة فناقة ابني ، وأما الراكب فليس هو ،فلما ورد الراكب عليها قال : يا أم عقيل عظّم الله أجرك بسبب عقيل 
قالت : ويحك مات 
عقيل ؟
قال : نعم 
قالت : بما مات ؟
قال : ازدحمته الناقة وأَلقَتْه في البئر ، فقالت له : انزل وخذ زمام القوم فقربت اليه كبشا فَذَبَحَهُ وصنعتْ لنا طعاما  فشرعنا في اكل الطعام ، ونتعجب من صبرها ، فلما فرغنا خرجت الينا 
وقالت : ايها القوم أفيكم من يُحسن في كتاب الله 
شيئا ؟
قلت : بلى 
قالت : اقرأ عليّ آيات أتسلى بها من موت الولد 
فقلتُ : الله "عز وجل" يقول :" وبشّر الصابرين الذين اذا أصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون ) البقرة 155 – 157 
قالت : الله هذه الآية في كتاب الله 
هكذا ؟
قلت : اي والله انّ هذه الاية في كتاب الله هكذا ، 
فقالت السلام عليكم ، فقامت وصلتّ ركعات ، ثم 
قالت :
اللهم اني فعلتُ ما أمرتَنِي فَأَنْجِزْ لي ما وعدتني به "
راجع لئالى الأخبار ص 305
هذا هو الايمان 
وهذه هي بصماته الرائعة وآثاره النافعة .