شيء من التغيير؟

آراء 2018/12/29
...


نصير فليح
 
اذا كان العمل على الاهداف الاساسية صعبا او معقدا، فإن العمل على ما هو متاح يمسي افضل البدائل الممكنة، واذا كان علاج المريض متعذرا، فعلى الاقل بعض الخطوات باتجاه الشفاء. هذا ينطبق كثيرا على موضوع ترشيق جهاز الدولة العراقية وتقليصه، ما دام قلع جذور الفساد والهدر والبيروقراطية، كما اثبتت الاعوام الماضية، امرا لم يتحقق، حتى بات اشبه بحلم أو طيف يسمع عنه الناس ولا يرونه. وهذا القلع للجذور لم يتحقق لاسباب معروفة، على راسها الحماية المتبادلة للمحسوبين على هذا الطرف او ذاك، وها نحن نرى ان رئيس الوزراء المكلف نفسه يعاني في قراراته واختياراته من ضغوط الكتل المتنافسة الى حد بات يقارب الشلل تقريبا. 
لكن على الاقل يمكن في ظروف كهذه العمل على تقليص جهاز الدولة، وهي خطوة تكتسب اهميتها من اكثر من جانب. ففضلا عن تخفيف الانفاق والرواتب الضخمة التي يستنزفها جهاز متضخم قليل الفائدة، مثل المجالس والهيئات الادارية المختلفة بتنوعاتها وتشعباتها العديدة، فان تضخم هذا الجهاز نفسه سبب اساسي في تضخيم ضرر الفساد والهدر المالي ايضا. ذلك انه في ظل انتشار البيروقراطية، وتعدد الحلقات الادارية، تصبح منافذ التسريب اكثر تعددا واكثر غموضا ايضا. 
ولعل واحدا من اوضح الامثلة التي تدعم ما نقول هو الجدال الذي شهدناه بين الحكومة المركزية من جهة، والتشكيلات الادارية المحلية في محافظة البصرة من جهة اخرى، في إلقاء اللوم المتبادل على عاتق الاخر. فتحديد المسؤولية عن التقصير نفسها تمسي عملية معقدة، او سهلة التعقيد لمن يريد تعقيدها، في جهاز اكبر بكثير من الضرورة، وفيه من التداخلات الحزبية و السياسية ما يجعل معظم حالات استقصاء الاسباب لا تفضي سوى الى جدالات اعلامية عقيمة او لجان لا طائل من ورائها، وكأنها الدوران الأبدي في الحلقة 
ذاتها.
هناك خطوات عديدة متاحة يمكن القيام بها، مثل الاستعانة بالخبرات الدولية والمنظمات العالمية المعروفة في مراقبة ومحاربة الفساد، او المتخصصة في تنظيم العمل الاداري، فضلا عن مقترحات ما فتئنا نسمع بها ولا نعرف اذا كانت ستحدث فرقا حقا، مثل الحكومة الالكترونية. ولكن من يقوم بذلك؟ 
وكيف سيتم اقرار قوانين، في البرلمان مثلا، تلغي الامتيازات الكبيرة والرواتب التعاقدية لاعضائه؟ هذا ما قد ينطبق عليه البيت المعروف للمتنبي: "فيك الخصام وانت الخصم والحكم".ان العمل على تقليص جهاز الدولة بمختلف مفاصله لن يكون حلا جذريا، بل خطوة باتجاه تقليل الضرر الذي لم تتمكن الطبقة السياسية خلال كل الاعوام الماضية من تجاوزه بفعالية. وأن يكون هناك بعض الضماد للمريض خير من ان يظل بلا دواء تماما، وشيء من الترميم لوضع الانسان العراقي، الذي رغم تضحياته الكبيرة في كل الاعوام الماضية، لا يزال لا يرى شيئا واضحا من ثمارها، حتى بات الكيل على حافة الحد، يطفح حينا وينخفض اخرى، دون حلول واضحة تلوح في الافق وتبعث على تفاؤل حقيقي بشفاء ناجع.