انتصارات مكتشفة!

آراء 2020/07/05
...

عبدالأمير المجر 
 
بعد قبول العرب الهدنة مع اسرائيل اثناء حرب العام 1948، تساءل كثيرون قائلين؛ كيف لسبع دول أن تفشل في تحقيق هدفها امام دولة واحدة مازالت في طور التشكّل؟! .. كانت الدول العربية التي شاركت في تلك الحرب هي العراق ومصر وسوريا والاردن والسعودية ولبنان فضلا عن فلسطين.. وكان الجواب الذي ينبغي أن يكون درسا لمن يقرأ الدروس؛ خسروا لأنهم قاتلوا بوصفهم سبع دول! وهذا يعني أن هناك سبع رؤى وسبع قراءات وأيضا هناك مرجعيات خارجية، فضلا عن ضعف التنسيق الذي يتأثر بالمواقف السياسية لكل دولة، وبذلك فقد هذا الكم زخمه وتشظى في الميدان ومن ثم فشل في تحقيق هدفه.
ليس العرب وحدهم من عاشوا مثل هذه التجربة، فالاوربيون ايضا ولو من زاوية مختلفة بعض الشيء، تقاتلوا لقرون وختموا رحلتهم المريرة تلك بحربين عالميتين أحرقتا اوربا ونصف العالم، ولم يدركوا في حينه، أن الخطأ كان في عواصمهم وليس في الميادين العسكرية التي ذهبت اليها جيوشهم. لكنهم ليسوا كالعرب، لقد قرؤوا الدروس وتعلموا منها، واقاموا مايعرف بالسوق الاوربية المشتركة، التي كانت مقدمة للاتحاد الاوربي لاحقا، وحولتهم من متكالبين فيما بينهم داخل اوربا وخارجها، الى متعاونين لتفعيل ثرواتهم وثروات الدول الأخرى. ولايختلف الامر مع الصينيين الذين تقاتلوا ايضا، تحت عناوين مختلفة، ابرزها واخرها، الحرب بين الحزب القومي (الكومنتاج) والشيوعيين (حزب الشعب)، فبعد رحلة طويلة من التزمت العقائدي وصلت الصين الى تصالح مع نفسها، وتيقنت من انه مادام الهدف هو بناء الصين، فلتتعدد السبل الى ذلك، ولو من داخل الحزب الواحد الذي ستكون مهمته ضبط ايقاع المعادلة الداخلية امنيا وتنظيميا، ليترك للخبراء تقدير الامور في كيفية نهوض البلاد، أي أن الصينيين أدركوا أن الانتصار الحقيقي لايتمثل بدحر بعضهم عسكريا او نفيه واقصائه، وان ظل شيئا قليلا من هذا حتى اليوم، بل في كيفية الافادة منه او تحييده في الاقل .. ولو بقينا نضرب الامثلة لما انتهينا، فالشواهد كثيرة.
في عراق ما بعد 2003 تعددت الرؤى والاجتهادات والعقائد، تحت شعار بناء الدولة، او هكذا كنا نسمع، ومع كثرة هذه القوى وتمكنها مع الزمن من السلطة والمال، صارت تتصارع باسم العقائد والطوائف والاعراق على السلطة والمال! وتمترست ضد بعضها حتى خنقت الدولة وضغطت على الشعب وهرست لحمه وطحنت عظامه، وبازاء هذا الفشل المتواتر صارت كل جهة تتهم الأخرى بأنها وراء مايحصل من خراب، ويغذي هذا الصراع دعم خارجي، وما تمتلكه تلك القوى من وسائل اعلام ونفوذ على الارض، حتى صرنا نرى انفسنا وسط اقطاعيات وليست قوى سياسية.. الشيء الذي يجب أن يعرفه ساسة اليوم، ان العراق لايمكن ان ينهض إلّا اذا كانت له حكومة واحدة، تعكس الطيف الوطني العراقي وتعبر عن تطلعاته وليست حكومات ظل متعددة، تريد كل واحدة منها ان تكون هي المتصدية ولو من خارج الكابينة الحكومية الرسمية، لان هذا أفقد الحكومات المتعاقبة قدرتها على تقديم شيء كبير على مستوى الخدمات والبناء، وظلت الدولة تراوح مكانها اقتصاديا وامنيا، وعلاقاتها الخارجية تفتقر لستراتيجية واضحة.
العراقيون اليوم بحاجة الى حكومة لاتشبه جيوش العرب السبعة التي فقدت بوصلتها واضاعت الهدف، ففاقمت المشكلة وفقدت القدرة على حلها بالحرب والسلم معا..! فتفاقم المشاكل يجعل الجميع مستقبلا أمام استحقاقات قاسية، ويجعل الشعب والدولة أمام مصير 
مجهول.