الاغتيالات وسرعة التوصل للجناة

آراء 2020/07/09
...

زهير كاظم عبود 
 
لم يعد مرتكب أي جريمة مجهولاً في عصر التكنولوجيا، وبالرغم من الدلائل والقرائن التي تصاحب عملية القتل، فإن الأساليب والوسائل التي تتوفر للمحقق كفيلة بتسهيل عملية الكشف عن تلك الأدلة التي تدفع للقبض على المتورط بارتكاب الجريمة، ومن ثم محاصرته وصولا الى اعترافه وتقديمه للمحاكمة، 
وعملية الاغتيال الأخيرة التي طالت الخبير الأمني والمحلل السيد هشام الهاشمي واحدة من تلك الملفات التي توفر للمحقق الوصول الى الجناة بمدة زمنية غير بعيدة، فكاميرات المراقبة أمام المنزل صورت الجناة، وصورت الدراجات البخارية، أنواعها وأشكالها وأرقامها، كما تبين وجوه الجناة وأعمارهم وملامحهم، فضلا عن مرورهم بعد ارتكاب الجريمة على العديد من كاميرات التصوير التي صورتهم بعد انتهاء التستر والتخفي والحذر، فضلا عن مرورهم على مفارز أمنية في مسار عودتهم وهم يخفون أسلحتهم المعززة بكواتم الصوت، وثمة من شاهدهم ولاحظ ارتباكهم، وطبعات إطارات الدراجات البخارية، وبقايا الظروف التي أطلقت من الأسلحة، ومسحات الـ DNA وكل ما يمكن استعماله علميا في أصول 
التحقيق. 
أسماء عراقيين عديدة طالهم فعل الاغتيال، وخسرتهم أسرهم وبلدهم، وفتحت ملفات التحقيق، غير أن الأسى والأسف يرافق تلك الملفات حين لا يتوصل المحقق الى الفاعل فيتم تسجيل الجريمة ضد المجهول ويتم حفظ الأوراق وغلق التحقيق مؤقتا. 
الأسى والحزن يغلي في صدور العراقيين وهم ينتظرون موقفا عراقيا يحد من سطوة الجناة، ومن ممارستهم جرائم القتل وسط الشوارع وفي وضح النهار، في تحدي واضح وصريح للدولة واجهزتها الأمنية ولسلطة القانون، مع ما تملكه الأجهزة الأمنية والشعبية من معلومات تجعل هوية الجناة مكشوفة والأدوات معروفة، في حين تنتظر الناس ملفا يتم كشف اللثام عن وجوه الفاعلين لا يقيد ضد مجهول. 
الأجهزة الأمنية معنية قبل غيرها في كشف الجناة في الجرائم التي طالت أسماء عراقية عديدة، كان لها موقف سياسي، مهما كان هذا الرأي يختلف في المعتقد فقد كفل الدستور الحق في الحياة والأمن والحرية، كما الزم الدولة بكفالة حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل ( المادة 38/ أولاً). 
وبهذا فإنَّ حماية أرواح الناس وأمنهم وحريتهم من بين المهام المناطة بالدولة، وتتعلق ثقة الناس بهذه الحماية حتى يمكن أن تكون هناك دولة تتقيد بدستورها ويحكمها القانون، وحتى لا يلجأ الناس الى التشكيك وبث الشائعات، لأن فقدان الأجهزة الأمنية لعنصر المبادرة واختزال الزمن في إنهاء الملفات التحقيقية يعزز من الثقة ويجعل الناس تطمئن لحرياتها، ولعل من بين أهم الأمور التي لا تتحمل التباطؤ في القرار حظر انتشار السلاح بيد الناس، والأخطر من ذلك استعمال كواتم الصوت التي ينبغي أن يتم أعتبار استعمالها من الظروف المشددة عند فرض العقوبة لخطورتها في ارتكاب الجرائم. 
جرائم الاغتيالات السياسية وجرائم الرأي جديدة على العراق، إذ كانت تمارسها السلطة الدكتاتورية لتصفية معارضيها، إلا أنها اليوم تبرز للعيان بشكل ملفت للنظر، فقد تحدث أن يتم ارتكاب فعل لا تتوصل السلطات التحقيقية إلى مرتكبه، وبعد أن تستكمل جميع الإجراءات القانونية يقرر قاضي التحقيق غلق التحقيق مؤقتا لمجهولية الفاعل وفقا للمادة (130) الفقرة (ج) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وهذا الغلق المؤقت مرهون بتوفر أدلة وقرائن جديدة لفتح التحقيق مجدداً. 
وما يربك المشهد السياسي والسلطات التحقيقية تلك الاتهامات والتشويش على السلطات المعنية بالتحقيق، وهي وإن كانت لا أهمية لها أن لم تكن من اسم واضح وموجود يدلي بشهادته أو يقدم الوثائق أو القرائن التي تفيد العملية التحقيقية، وسواء كان تقاذف الاتهامات بقصد أو من دون قصد فإنه لا يفيد سير العملية التحقيقية، فضلا عن أن وجود الجناة طليقون ويتجولون في الأسواق يجعل الحياة والتعايش اليومي للناس والأمن المجتمعي في خطر، فالجاني لن يتخلى عن مسدسه الكاتم للصوت، ولن يتوقف عن ممارسة فعله
 الإجرامي. 
ارتكاب جرائم الاغتيال لم تكن من دون سبب، ولم يكن الجناة لا يشخصون المجني عليهم، ولا بدَّ أنْ يكون هناك شخص أو جهة كلفت القاتل وزودته بالسلاح والعتاد وحرضته، إما بمده بالمال أو بالتلقين او بالخديعة والاستفزاز لارتكاب الجريمة بقصد إسكات صوت المجني عليه، وان تكون العقوبات المفروضة على القتلة تتناسب مع الوضع الصحي والاقتصادي والحالة التي يمر بها العراق، وان يكون هناك رادع حقيقي يلقى من جميع الكتل السياسية ومنظمات المجتمع المدني ما يعزز التعاون والتآزر للحد والقضاء على هذه الظاهرة الدخيلة على المجتمع
 العراقي.