قبل المعركة علم سوريا يرفرف مجدداً على منبج

آراء 2019/01/02
...

 د. قيس العزاوي

قبل الهجوم العسكري التركي المرتقب على شمال سوريا أدركت القيادة الحكيمة لوحدات حماية الشعب الكردي والقوى الديمقراطية المتحالفة معها أنَّ الوقت قد حان لمواجهة وطنية سورية لقوات الغزو التركية.. ودعت القوات الحكومية السورية لمساعدتها في صد العدوان

.
قرار جاء في الوقت المناسب وقبل وقوع "الفاس بالراس" بعد أنْ عودتنا القيادات باستمرار على أنْ تأتي قراراتها متعنتة ومتأخرة وبعد ذلك نادمة، وقد تكررت الأخطاء نفسها في الأعوام 1975 و2017 وغيرها.. فالقادة لا يعترفون بأخطائهم، مع أنَّ الاعتراف بالخطأ شجاعة وقدرة ويوفر إمكانية لتجاوزه فـليس هناك خطأ أكبر من عدم الاعتراف بالخطأ. إننا نتعلم في واقع الأمر من خسارتنا أكثر بكثير مما نتعلمه من انتصاراتنا.
نذكر هذه المقدمة التي تبدو"وعظية" بمناسبة حميدة وذكية في الوقت نفسه، وإنْ كانت متأخرة نوعاً ما. فقد عرفنا جميعاً بالطلب الرسمي الذي أرسلته الى الجيش العربي السوري وحدات حماية الشعب الكردي التي يكون الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا بزعامة زميلنا صالح مسلم القوة الرئيسة فيها للدفاع المشترك على السيادة السورية. والحزب الذي اتخذ قراراً حكيماً بترك مواقعه في منبج لصالح الجيش العربي السوري يدعم إدارة ذاتية مشكلة من عدة أحزاب في الشمال السوري (القوى الديمقراطية السورية وهي تحالف القوى العربية والكردية) ويؤكد على وحدة سوريا أرضاً وشعباً ضمن دولة ديمقراطية لا مركزية..
فعلى إثر التهديدات التي أطلقتها أنقرة للبدء بعملية شرق الفرات وتحريك قواتها ودباباتها الى الحدود السورية واختراقها من ناحية، وبعد القرار الأميركي بسحب قواتهم البالغة 2000 عسكري من سوريا وبنحو خاص من منبج من ناحية ثانية، تركت قوات وحدات حماية الشعب لتواجه مصيرها أمام الغزو العسكري التركي، وهو الأمر الذي يمثل إحباطاً جديداً للتعويل الكردي من جديد على الحماية الأميركيَّة.
ولمواجهة هذه الظروف اجتمع في الملتقى التشاوري الكردي في القامشلي 22 حزباً كردياً من: الحزب اليساري، الحزب الديموقراطي الكردي، الاتحاد الليبرالي الكردستاني، حركة الإصلاح، حزب الوحدة الديموقراطي الكردي الى الحزب الشيوعي والبارتي الديمقراطي..الخ وأصدر الملتقى الكردي المنعقد في 15 / 12 / 2018 بياناً أكد فيه على التالي :
* تعدُّ أحزاب الملتقى التشاوري التهديدات الصادرة من الرئاسة التركية لشمال وشرق سوريا بمثابة إعلان حرب تهدف إلى إزالة النموذج الديموقراطي.
* تهدف التهديدات التركية إلى إبادة الشعب الكردي، ولهذا تدعو أحزاب الملتقى أبناء الشعب الكردي إلى الالتزام بروح المقاومة في وجه هذه الاعتداءات.
* كما تدعو أحزاب الملتقى التشاوري الأحزاب الكردستانية إلى الحوار الإيجابي بهدف تحقيق مؤتمر وطني كردستاني على مستوى الأجزاء الأربعة لوضع ستراتيجية قومية وتكوين مرجعية كردستانية.
ومن ناحيتها أرسلت وحدات حماية الشعب والقوى الديمقراطية السورية بعد أيام من ذلك تطلب المساعدة من قيادة الجيش العربي السوري لمواجهة الهجوم العسكري التركي المرتقب على المنطقة. وقد ذكرت الرسالة - وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية- ما نصه: "نحن ندعو القوات الحكومية للانتشار في المناطق التي ننسحب منها، وبخاصة في منبج للعمل على حمايتها من الغزو التركي".
وعلى إثرها أعلن المتحدث الرسمي باسم الجيش العربي السوري عبر التلفزيون بأنَّ العلم السوري عاد من جديد لكي يرفرف على منبج الواقعة على بعد 30 كم من جنوب الحدود السورية التركية.. وهكذا دخل الجيش العربي السوري من جديد الى مركز مدينة منبج في شمال البلاد بعد سنوات من إدارتها المحلية، التي كانت برعاية أميركية عسكرية وقوات فرنسية وبريطانية محدودة تعمل بنحو مشترك مع القوات الأميركية، وما زالت تلك القوات هناك بانتظار انسحابها المرتقب.
تأتي هذه المستجدات في وقت تشهد فيه المسألة السورية تحركات عربية وإقليمية ودولية لإنهاء الحرب وتسوية الأوضاع، وخير دليل على سيادة منطق التسوية هو انعقاد قمة اسطنبول بشأن سورية في 27 من تشرين الأول الماضي، بين قادة تركيا وروسيا وألمانيا وفرنسا. وقد جرى في هذا الاجتماع الإقرار ببقاء الرئيس بشار الأسد واستمرار حكمه، وببقاء الوجود الروسي والإيراني في سورية. وقد تكرّر في البيان الختامي للقمة النص على سيادة سورية وسلامة أراضيها مرتين. كم أعربت القمة عن الالتزام بمسؤولية الأمم المتحدة على العملية السياسية وتشكيل اللجنة الدستورية.
ومن الملاحظ إنَّ البيان الختامي وعلى الرغم من الضغوط التركية لم يدخل وحدات حماية الشعب في قائمة المنظمات الإرهابيَّة على غرار منظمات داعش والقاعدة ونصرة الشام وغيرها، أي أنه اقتصر على ذكر مكافحة الإرهاب للمنظمات التي حدّدها مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة.
ومما سبق يتضح لنا التالي:
* لأول مرة، وفي اتفاقات تخص دول الشرق الأوسط يجري تهميش دور الولايات المتحدة الأميركية على إثر قرار الرئيس دونالد ترامب بسحب قواته من سوريا..
* لأول مرة أيضاً يجري اتفاق إقليمي ودولي على إنهاء الحرب الدموية في سوريا بمعزل عن الولايات المتحدة، كما يجري الاعتراف رسمياً بالسلطات القائمة في سوريا مع توكيل الأمم المتحدة في رسم خارطة طريق لما سوف يجري لاحقاً.
* لأول مرة ايضاً تصبح العمليات العسكرية المزمع القيام بها من قبل السلطات التركية شرقي نهر الفرات، والوصول إلى الحدود العراقية على نهر دجلة موضع شك..