ترجيحات باستقالة الحكومة اللبنانيَّة وإجراء انتخابات مبكرة

الرياضة 2020/08/10
...

بيروت / جبار عودة الخطاط 
 
في الوقتِ الذي ينتظر فيه اللبنانيون جني ثمار مؤتمر المانحين الدوليين لدعم لبنان بعد الانفجار الهائل الذي هز بيروت، وسط معاناة من أزمة اقتصادية خطيرة؛ هذا  المؤتمر الذي يلتئم بمبادرة من فرنسا والأمم المتحدة، تحت شعار «خطوة للضرورة والأمل لمستقبل»؛ ما زالت الأزمة اللبنانية التي تفاقمت بعد انفجار مرفأ بيروت تتفاعل لتأخذ أشكالاً متصاعدة من الوقائع المؤلمة التي تلقي بظلالها القاتمة على المواطن اللبناني الموجوع. 
وعلمت «الصباح» أن رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب عقد أمس الأحد اجتماعا مع مجموعة من وزراء حكومته في السراي الحكومي في بيروت لمناقشة موقف الحكومة التي وصفها المراقبون بـ «المتصدعة»، وهناك من بات يتحدث عن إمكانية استقالة الحكومة.
معلومات أخرى تشير الى نية أكثر من خمسة وزراء تقديم استقالاتهم من الحكومة في أعقاب الأوضاع المأساوية التي خلفها تفجير مرفأ بيروت، الوزير السابق وئام وهاب بدوره تساءل عبر حسابه على «تويتر» بقوله :»هل يقدم حسان دياب استقالته اليوم الاثنين ونذهب باتجاه حكومة وحدة وطنية؟»، مضيفاً أن «هذا هو المخرج الوحيد فليبادر».
أما زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع فأكد أنّ «استقالاتنا في جيبنا منذ 18 تشرين الأول 2019، والكل يعرف أنّنا لا الآن ولا قبل تمسّكنا بأيّ موقع، وسنضع هذه الاستقالات موضع التنفيذ الفعلي عندما نتأكّد أنّها ستؤدّي إلى انتخابات نيابية مبكرة»، مبيّنًا «أنّنا إذا استقلنا اليوم ولم يكن عدد المستقيلين كافيًا لحلّ ​المجلس النيابي، سيقومون بانتخابات فرعية​، ويُنتخب نواب بمئات الأصوات».
وفي جديد معلومات «الصباح»، أن ثمة اتصالات تجري منذ مساء الجمعة بين سمير جعجع ووليد جنبلاط وأوساط من تيار المستقبل الذي يتزعمه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري سعياً لتقديم استقالات جماعية تضع الحكومة الحالية أمام الأمر الواقع المتمثل بالرحيل.
وفي خطوة يمكن أن تحمل الكثير من المؤشرات عن متغيرات قادمة في المشهد اللبناني، أعلن رئيس ​مجلس النواب اللبناني​ ​نبيه بري​ «جلسات مفتوحة للمجلس النيابي ابتداء من ​الساعة​ الحادية عشرة من قبل ظهر يوم الخميس الموافق 13 اب 2020 في ​قصر الاونيسكو، لمناقشة ​الحكومة​ على الجريمة المتمادية التي لحقت بالعاصمة والشعب وتجاهلها».
معلومات صحفية  رجحت طرح مسألة إقالة الحكومة في الجلسات النيابية بل ان مصادر أخرى أفادت بأن رئيس الحكومة اللبنانية ربما يستبق ذلك بتقديم استقالته غداً أو بعد غد.
وزيرة الإعلام اللبناني ​منال عبد الصمد، أعلنت أمس الأحد تقديم استقالتها من ​الحكومة​، وجاء في بيان الاستقالة الذي تلته في مؤتمر صحافي: «أعتذر من اللبنانيين الذين لم نتمكن من تلبية طموحاتهم، التغيير بقي بعيد المنال وبما ان الواقع لم يطابق الطموح وبعد هول كارثة بيروت أتقدّم باستقالتي من الحكومة».
وأضافت  «لقد استشهد بعض أفراد أسرتي في حادث انفجار مرفأ بيروت، وهناك عشرات من الأفراد ما زالوا مفقودين إثر حادث الانفجار»، وتابعت: «السلطة السياسية لم تربح ثقة المواطنين طوال سنوات»، مشيرة إلى أن «غضب الشارع اللبناني بسبب تراكمات الانهيار الاقتصادي والسياسي على مدى سنوات»، كما قدم وزير البيئة دميانوس قطار استقالته الخطية  لرئيس الحكومة حسان دياب. وكان ستة نواب أعلنوا استقالاتهم من البرلمان عقب انفجار بيروت، كان آخرهم النائب نعمة افرام الذي أعلن أمس الأحد استقالته من البرلمان اللبناني، فضلا عن استقالة 5 نواب آخرين هم عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب مروان حمادة، نواب كتلة حزب «الكتائب» سامي الجميل، نديم الجميل والياس حنكش، والنائبة بولا يعقوبيان.
إلى ذلك دعا البطريرك الماروني اللبناني بشارة بطرس الراعي الحكومة، أمس الأحد، إلى الاستقالة إذا لم تستطع «تغيير الطريقة التي تحكم» بها البلاد ومساعدتها على التعافي من انفجار يوم الثلاثاء الكارثي.
وأكد الراعي أن «انفجار مرفأ بيروت هو كارثة هزت دول العالم»، وقال: إن «من حق هذه الدول، إذ تمد لبنان بالمساعدات السخية والمحبة، أن تعرف أسبابه الغامضة».
وشدد في عظة قداس الأحد على أنها «جريمة موصوفة ضد الإنسانية، ومن الواجب الاستعانة بتحقيق دولي لكشف حقائقها كاملة وإعلانها، مع وجوب محاسبة كل مسؤول عن هذه المجزرة مهما علا شأنه».
 
انتخابات مبكرة
وتأتي استقالة وزيرة الإعلام من الحكومة بعد ليلة ساخنة شهدها وسط بيروت واقتحم فيها المحتجون عدة مبانٍ حكومية مثل وزارات الخارجية والطاقة والبيئة وجمعية المصارف اللبنانية، وطالب المتظاهرون الناقمون بتحقيق شفاف عن تفجير بيروت الكارثي، وعلى أثر ذلك خاطب رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب المتظاهرين الذين طالبوا الحكومة بالاستقالة بأنه غير متمسك بالسلطة ودعا إلى «حل مجلس النواب الحالي وإجراء انتخابات نيابية مبكرة للخروج من الأزمة التي يمر بها لبنان، والتي تفاقمت بعد حادثة الانفجار الهائل الذي دمر مرفأ بيروت الأسبوع الماضي». 
وقال دياب في كلمته المقتضبة: «بواقعية لا يمكن الخروج من أزمة البلد البنيوية إلا بإجراء انتخابات نيابية مبكرة لإنتاج طبقة سياسية جديدة ومجلس نيابي جديد»، مشيرا إلى أن حكومته «التزمت في بياناها الوزاري بمطالب الثورة، وأنه لا يمكن الخروج من الأزمة إلا بإجراء انتخابات نيابية مبكرة».
 
حديث الرئاسة
في المقابل، قال مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية اللبنانية: إن الرئيس ميشال عون اعتبر الهدف من المطالبة بالتحقيق الدولي في قضية المرفأ هو تضييع الوقت، وأشار إلى أن «القضاء يجب أن يكون سريعا من دون تسرع للتأكد ممن هو مجرم ومن هو بريء في حادث المرفأ».
وقال مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية في بيان: إن «موقع (أساس) الالكتروني نشر معلومات مغلوطة بشأن لقاء عون مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، وتناقلت وسائل الإعلام هذه المعلومات حول موقف رئيس الجمهورية من تولي جهات عربية أو دولية التحقيق في الانفجار الكبير في مرفأ بيروت».
وأكد مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية أن «لا صحة مطلقا لرواية موقع (أساس) لأن موقف رئيس الجمهورية عبر عنه خلال الحوار مع الإعلاميين يوم الجمعة الماضي حيث اعتبر أن المطالبة بالتحقيق الدولي في قضية المرفأ الهدف منه تضييع الحقيقة، مشددا على أنه لا يعود للحكم أي معنى إذا طال صدوره والقضاء يجب أن يكون سريعا لأن العدالة المتأخرة ليست بعدالة، بل يجب أن تكون فورية ومن دون تسرع ليتم التأكد ممن هو مجرم ومن هو بريء».
ويأتي موقف رئيس الجمهورية في مقابل مواقف مغايرة لرؤساء بعض الأحزاب اللبنانية، حيث طالب رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، ورئيس حزب القوات سمير جعجع، ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري، بالإضافة إلى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، بلجنة تحقيق دولية لمعرفة حقيقة الانفجار.
 
مؤتمر المانحين
وفي كلمته بمؤتمر المانحين «عبر الفيديو» أمس الأحد، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: إن «تقديم المساعدات إلى لبنان سيتم بأسرع وقت ممكن وتحت مراقبة الامم المتحدة، وإن دورنا أن نكون بجانب الشعب اللبناني، كما أن المساعدات ستصل إلى المجتمع المدني في لبنان وبمشاركة صندوق النقد ومؤسسات مالية دولية»، كما حذر ماكرون «من انتشار العنف والفوضى في لبنان، وأن على السلطات في لبنان القيام بالإصلاحات السياسية والاقتصادية التي يطالب بها الشعب».
وقدرت الأمم المتحدة قيمة احتياجات القطاع الصحي وحده في لبنان بـ 85 مليون دولار، لكن مقربين من الرئيس الفرنسي لم يرغبوا في ذكر أي رقم لقيمة المساعدة التي يمكن أن تقدم الى لبنان. 
وقال مصدر في الإليزيه: إن «الهدف الفوري من مؤتمر المانحين؛ هو التمكن من تأمين الاحتياجات العاجلة للبنان، بشروط تسمح بأن تذهب المساعدة إلى السكان مباشرة»، موضحا أن الأولويات هي «تدعيم المباني المتضررة والمساعدة الطبية العاجلة والمساعدة الغذائية وترميم مستشفيات ومدارس»، وتابع أن «النهج هو ذلك الذي تستخدمه المنظمات الدولية، من الضروري عدم منح الحكومة اللبنانية شيكا على بياض».
في هذا الصدد طالبت النائبة في مجلس الشيوخ الفرنسي، نتالي غوليه، برفع مستوى الرقابة على المساعدات الفرنسية والأوروبية، سواء الممنوحة أو التي ستمنح للبنان، إثر انفجار مرفأ بيروت الثلاثاء الماضي.
وقالت غوليه، في مقال نشرته في صحيفة «هاف بوست»: «لبنان يحتاج اليوم إلى خطة من نوع مشروع مارشال (المشروع الاقتصادي لإعادة تعمير أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية الذي وضعه الجنرال جورج مارشال)، تهدف أولاً إلى عملية عاجلة لإسكان آلاف الأشخاص الذين فقدوا كل شيء، ثم تركيز التبرعات وإدارتها وفقًا لخريطة طريق متفق عليها مع سكان بيروت، ومع السلطات اللبنانية بطريقة شفافة، مع وجود مشرفين أجانب».
هذا وحصلت «الصباح» على بعض ما دار في الاجتماع المغلق الذي عقده الرئيس الفرنسي ماكرون ‏في  «قصر الصنوبر» مع القيادات السياسية اللبنانية قبل يومين، حيث طالب الفريق المعارض ولا سيما زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع والزعيم الدرزي وليد جنبلاط بتحقيق دولي لحادثة تفجير مرفأ بيروت، غير أن ماكرون لم يعط جواباً عن طرحهم، كما أن الرئيس الفرنسي لم يتفاعل مع مطلب الانتخابات المبكرة وردّ عليها ماكرون بتشكيل حكومة وحدة وطنية إن فشلت الحالية، ‏كما أن «ماكرون لم يلبِّ رغبة بعضهم بلقاء ثنائي». 
 
تظاهرات
على صعيد آخر، وفي آخر إحصائية له أمس الأحد، أعلن الصليب الأحمر اللبناني إصابة 238 شخصا في المواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين التي اندلعت ليل السبت وسط بيروت فضلاً عن الخسائر المادية الجسيمة في الأبنية والممتلكات، كما أعلنت قوات الأمن اللبنانية أمس الأحد مقتل مجند وإصابة أكثر من 70 عنصرا أمنيا خلال المواجهات.
وقالت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في بيان: «خلال مهمة حفظ الأمن والنظام التي نفذتها قوى الأمن الداخلي تزامنا مع التظاهرة التي نظمت يوم السبت في وسط بيروت والتي تخللتها أعمال شغب، سقط فيها لقوى الأمن الداخلي شهيد الواجب الرقيب الأول توفيق الدويهي، وأصيب ما يفوق 70 عنصرا من عناصرها»، وأضافت المديرية العامة أنه قد تم توقيف 20 شخصا ضبط بحوزة أحدهم مخدرات، مشيرة إلى أنه تبين إثر نتيجة إجراء الفحوصات أن 13 منهم من المتعاطين.
وتظاهر آلاف المحتجين ليل السبت في وسط العاصمة تحت شعار «يوم الحساب»، وقد اقتحموا مرافق عدة أبرزها وزارة الخارجية، مطالبين بمعاقبة المسؤولين عن انفجار مرفأ بيروت الذي أدى إلى تفاقم النقمة الشعبية على السلطات وخلفت التظاهرات دماراً كبيرا في الأبنية الوزارية والكثير من المرافق والواجهات الزجاجية، وقالت الرئاسة الفرنسية في تعليق لها على ذلك: إن «التظاهرات تدل على سخط وقلق السكان وضرورة تغيير الأمور».
ورأى مصدر مقرب من ماكرون أن «لبنان يغرق ونعتقد أنه وصل إلى القاع، لذلك حان الوقت لإعادته إلى السطح»، مشيرا إلى أن الرئيس الفرنسي وعد خلال زيارته بألا تذهب المساعدات إلى «الفساد».
السفارة الأميركية في لبنان من جانبها أكدت في تعليق لها على التظاهرات الغاضبة أن «الشعب اللبناني عانى كثيرًا ويستحق أن يكون لديه قادة يستمعون إليه ويستجيبون لمطالبه، ندعم الاحتجاج السلمي للشعب اللبناني وندعو الجميع للامتناع عن العنف».
من جانبه  طالب رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان، بنصب المشانق في ساحة الشهداء وسط بيروت، مؤكداً انه «بعد الانتهاء من التحقيقات وثبوت الأدلة وتبيان من المسؤول عن هذا الإهمال المريع الذي أدى الى مجزرة المرفأ، يجب أن تنصب المشانق 
في ساحة الشهداء».