حازم مبيضين
تعكس زيارة رئيس الوزراء الأردني منيف الرزاز لبغداد، وما تبعها من ترحيب إعلامي وسياسي، حالة تحول سياسي منتظر ومأمول، من خلال إرسال رسائل ذات علاقة بالانتماء لمحور والابتعاد عن آخر، فيما تؤكد الأحداث أن ما يُطلق عليه المحور السعودي لم يعد مُفيداً لعمان، كونه ابتعد عن دوره المعروف في المساعدة على حل ما يعترض مملكة الهاشميين من مشاكل اقتصادية، وبعكس ذلك بدأ مُزاحمة على الرعاية الهاشمية للمقدسات في القدس والمسجد الأقصى، فيما تواصل القاهرة أسلوبها الجديد في إخفاء المعلومات عن الأردن، خصوصاً ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وما يجري في قطاع غزة. ووحدها دولة الإمارات حافظت على شيء من القديم تجاه الأردن، خصوصاً وأن هناك مصاهرة تربط الهاشميين بنائب رئيس الدولة
حاكم دبي.
يرى كثيرون أن حكومة الرزاز بدعم ومباركة من الملك عبد الله الثاني، كونه الممسك بملف السياسة الخارجية، تسعى للانسحاب تدريجياً من الالتزام المطلق بالحلف السعودي، وإذا كان عنوان زيارة الرزاز اقتصادياً، يتعلق بملف المصالح الثنائية المشتركة. فإن الرجل اكتشف في بغداد دهشة عراقية منطقية، من إصرار صانع السياسة الأردنية على الوقوف دوماً داخل العراق مع التيار المناهض لإيران، وأن دخول المنتج الأردني لأسواق العراق ونفطه، يتطلب الانفتاح قليلاً على إيران، ومع ذلك فإن "الكرم العراقي" أسفر عن الاتفاق على بدء العراق توريد نفطه عبر ميناء العقبة، وتزويد الأردن بحاجته من النفط بأسعار نفط تفضيلية وتسريع تنفيذ مشروع ناقل النفط بين البلدين وتوقيع 15 اتفاقية جديدة لها علاقة بالتعاون التجاري ومعالجة
مشكلات الحدود.تحدث الرزاز بشكل مباشر ومتفائل بعد عودته، عن فتح السوق العراقية للأردنيين، وعن تجاوز الخلافات القديمة، وعن صفحة أعمق في البعد الستراتيجي قريباً، اعتماداً على نصائح مفادها ضرورة التوقف عن وضع البيض الأردني في سلة المناهضين لإيران، ما يعني أن تنفيذ المشاريع والاتفاقيات الموقعة والجديدة يتطلب خطوة إضافية من الأردن في اتجاه موازين القوى داخل المعادلة العراقية، وهي خطوة ضرورية لوقف البرود الدبلوماسي مع طهران، وضرورة إعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة معها ، وهي خطوة قد تُنفّذ قريباً، لأن التحولات القائمة سلاح بيد الرزاز يمنحه فرصة الضغط على مراكز القوى الأردنية، التي تُحذر من خطورة وكُلفة الانفتاح على طهران.وبالتوازي يأتي الانفتاح المُتجدد على أنقره، بعد تسليمها لعمان الفار المتهم في قضية التبغ، عوني مطيع. وبعض الاشارات الإيجابية مع الدوحة التي لم تصل العلاقة معها حد القطيعة، نتيجة بعض الضغوط المحلية، ما يعني أن الاستقبال الدافئ للرزاز في بغداد، شكّل دعوة عراقية لعمان للخروج من عباءة التبعية للسياسة السعودية، التي أدارت وجهها عن الأردن في أزمته الاقتصادية الراهنة، خصوصاً وأن هناك تاريخاً ايجابياً في العلاقة مع العراق شعباً ودولة، وهو دعمه دون منّة ساعده أيام الحصار الأمريكي، واستقبل أبناءه يوم فروا من ويلات الحروب والاقتتال، وظل وفياً في حماية حدوده من الإرهاب.
رغم ذلك فإنَّ الأردن فقد حصته في سوق العراق، وهي كانت وازنة ومؤثرة وإيجابية، وبقيت مشاريع للتعاون مع بغداد تراوح مكانها في الإطار النظري دون تنفيذ. حتى أن دين البنك المركزي الأردني على العراق لم يُسدّد للآن رغم وعود على مدى أكثر من عشر سنوات. واليوم يبدو أن رئاسات العراق الثلاث ترتبط بعلاقات طيبة مع القيادة الأردنية. ما يدفع للأمل في أن يكون ذلك دافعاً جديداً لللتعاون بين البلدين علماً بأنَّ الأردن يحتاج اليوم لكل مساعدة. فهو على موعد مع استحقاقات تدفع بها قوى عظمى تتعلق بمصالحه العُليا وثوابته الوطنية
والقومية.
وبعد، فإن سياسة الأردن الخارجية هي سلاحه الأهم في مواجهة التحديات. وأي تعاون مع العراق حتى لو جاء من باب تحسين العلاقة مع إيران سيكون عوناً له لتصليب جبهته الداخلية ودعم سياسته الخارجية في مواجهة محاولات الاستفراد به.