التحرير في زمن كورونا

آراء 2020/08/18
...

نوزاد حسن

قبل أيام مررت بساحة التحرير وحيدا لاكتشف ذلك المكان الذي شهد أقوى حركة احتجاج للمطالبة بإصلاح العملية السياسية.
 ذهبت وحيداً، وجلست على رصيف يواجه نصب الحرية، وتأملت النصب وما حدث فيه من تكسر في بعض احجاره. كانت الوقت ظهرا، وكان بعض الشباب يقومون بتهيئة وجبات طعام لهم. اما الخيم فكانت مغلقة على نفسها. وصمت غير مألوف يضم المكان بقوة.
 كنت في الحقيقة ابحث عن شيء ما. ففي احتجاجات الشعوب، وعلى الاخص في تظاهرات تشرين يوجد امل في تغيير سياسي يضع البلد في مكان جديد. وعلى الرغم من نتائج محددة حققتها تظاهرات تشرين الا ان العملية السياسية ما زالت دون طموح المتظاهرين ايضا.
سرت بين الخيم في دورة حول الساحة التي كانت قبل كورونا تضج بالهتافات، والاغاني الوطنية، وصخب النعوش الرمزية التي تقام لمن يسقطون ضحايا اثناء المواجهات مع قوات الشغب. لقد هدأ كل شيء الان. وها هو جبل احد كما سماه المتظاهرون او بناية المطعم ساكنة غير مزينة بلافتات الشعارات الطويلة، وصور شباب رحلوا تباعا دون ان ينسوا او يختفوا من ذاكرتنا.
المطعم التركي صامت هادئ لم يعد كما كان. قبل كورونا كان المئات من الشباب يتواجدون فيه. ويرقصون على الاغاني الحماسية، ويلوحون من فوق لنا، نحن الذين لم نصل الى الرتبة العليا بحيث نقف معهم فوق جبل احد.
حاولت استرجاع قوة الصورة التي ما زلت احتفظ بارشيف شخصي لها. فيديوات عن حشود كثيرة تقف تحت بناية المطعم يهتفون بالروح بالدم نفديك ياعراق. وفي الاعلى كان يتجسد اهم انتصار للمتظاهرين الى درجة ان الكثيرين اعتقدوا بأن قوة التظاهرات تنحصر في المحافظة على هذه البناية التي تشرف على الساحة، وتعد مكانا مهما جدا لا ينبغي تركه او التنازل عنه لأنه رمز انتصار شعبي مهم.
أفكر بكل هذا وأنا أقف تحت بناية المطعم التركي واسمع صخبا ما زال يرن في ذاكرتي صافيا لا تلوثه أجواء السياسة التي لا تنتهي مفاجآتها.
قبل كورونا كان الدخول الى المطعم التركي يعني زيارة مكان له قدسية كبيرة. يقول احدهم: اليوم صعدنا الى المطعم التركي. وفي نبرة المتحدث شيء من متعة تشبه متعة من يزور مغارة جعيتا في لبنان. وكان هناك شبان يفتشون الصاعدين الى المطعم في اكثر من مكان.
صعود وهبوط وحركة يومية لم تنقطع إلا هذه الايام. لكن الحماس ما زال قويا في قلوب الجميع. ولعل ما نشهده من خطوات، وقرارات سياسية يدل على أن نية التغيير هي الحل الأمثل لمشكلتنا السياسية المعقدة.
كنت هناك أراقب كل شيء وفي داخلي شريط الأحداث الذي لا يتوقف عن الدوران. أظنني كنت أحاول أنْ أجرب قوة التغيير وأحس به. وحين جلست على الرصيف كان نصب الحرية ماثلا أمامي وكأني أواجه حلما سيتحقق.