عندما يتخلى القانون عن سيادته

آراء 2020/08/19
...

 حميد طارش *

 
كانت السّمة البارزة لسلطة الحكام هي الاستبداد والقمع ومصادرة حقوق الافراد وحرياتهم، لذلك بدأ التفكير منذ القدم، بمحاولة تقييد سلطة الحكام المطلقة، وكانت فكرة القانون في تقييد تلك السلطة هي الوسيلة التي اهتدى اليها فلاسفة اليونان، وهذا ما تناوله ارسطو في كتابه عن السياسة.
وسيادة القانون هي مبدأ يقصد به خضوع الافراد والحكام للقانون والالتزام به كاساس لمشروعية اعمالهم، ولايقف المبدأ عند الالتزام بالقانون واحترامه وانما يمتد ليحتل منزلة اعلى من الحكام، ويقصد بالقانون هنا،القانون بمعناه الواسع، سواء كان عرفياً او مكتوباً كالدستور والتشريع الصادر من البرلمان والقرارات الصادرة من السلطة التنفيذية وبحسب تدرجها في النظام القانوني.
ولا يقف مبدأ سيادة القانون عند الالتزام والاحترام والسمّو وانما يجب أن يكفل حقوق الافراد وحرياتهم وبخلافه لا تكون جدوى وقيمة حقيقية لسيادة القانون ، بل يكون خاليا من الفاعلية المطلوبة لتحقيق الامن الاجتماعي، وسبب ذلك يعود الى وظيفة القانون التي لم تعد مقتصرة على تنظيم العمل الحكومي وانما كفالته لحقوق الافراد وحرياتهم في مواجهة الحكام، أي لا سيادة للقانون بدون ضمانة حقوق الافراد وحرياتهم.
وعلى الاساس المذكور تكون التفرقة بين الدولة الديمقراطية والدولة البوليسية، حيث يخضع في الاولى، الافراد والحكام بدون تمييز لحكم القانون، اما في الثانية، فالحكام لايخضعون للقانون لانهم يرون انفسهم فوق القانون،وما القانون الّا تعبير عن ارادتهم، وبالقمع وحده يحاولون اخضاع الافراد لسلطتهم.
وقد حاول بعض فقهاء القانون تناول عناصر مبدأ سيادة القانون، ومنهم الفقيه جوزيف راز الذي بينها كالتالي:
1. أنْ تكون كل القوانين متوقعة ومنشورة بشكل ملائم وواضحة وغير مبهمة من حيث المحتوى.
2. أنْ تكون القوانين ثابتة نسبياً وغير قابلة للتغيير بين فترة وأخرى.
3. يجب أن يكون صانعو القانون عاملين وفقاً لقواعد عامة ثابتة ومجردة.
4. ضمان استقلالية القضاء للتأكد من أنَّ عمل المحاكم بتطبيق القانون يكون بشكل سليم على الجميع.
5. يقتضي تطبيق قواعد العدالة أن تكون جلسات المحاكم علنية ومباحة للمجتمع ، وان تتخذ قرارات المحاكم دون تحيز لجهة على أخرى.
6. يجب أنْ تكون مراجعة المحاكم بشكل يسير ، ولا يكون هناك تأخير في نظر القضايا ، كذلك يجب ان تكون تكاليف التقاضي قليلة.
ويبدو مما ورد آنفاً من عناصر أنَّ أغلبها تمثل ضمانات لحقوق الافراد وحرياتهم وهذا هو هدف مبدأ سيادة القانون وجوهره وبالتالي اذا كان القانون خاليا من هذه الضمانات او لا يكون عند تطبيقه ضامنا لها فانه سيواجه عدم التطبيق الاختياري من قبل الافراد وهذا سيدفع للاسلوب الاستثنائي وهو التطبيق الجبري للقانون لكن هذا سيكون محفوفاً بالمخاطر من حيث عدم توافر القدرة الكافية للحكومة على تطبيق القانون بالقوة او عجزها عن متابعة تطبيق كل مايصدر منها من قوانين جبراً على جميع الافراد وهنا لا تكون سيادة للقانون وبسبب القانون نفسه من حيث محتواه وتطبيقه.
* باحث قانوني