التعليم المدمج.. نجاحات وتحديات

ريبورتاج 2020/08/25
...

بغداد/ فجر محمد
 
في غرفته الصغيرة بالقسم الداخلي للجامعة التكنولوجيَّة، كان (م، ز) يضع كتبه والمراجع الدراسية والمناهج على منضدته الصغيرة، بينما كان يرزم الكتب الضرورية الأخرى استعداداً للعودة الى محافظته بعد اقرار التعليم المدمج من قبل الوزارة، ويقول (م، ز): إنَّ «مخاوفي نابعة من اختلاف طرق التدريس بين جامعتي ونظيرتها في محافظتي، ففي أحد الدروس الهندسية يتم الاعتماد بشكل كلي على الحاسبات الالكترونية في الكلية التي أدرس فيها، في حين تعتمد تلك القريبة من محل سكني على الرسوم اليدوية وهذا سيشكل اول عقبة في الدراسة، فضلاً عن الاختلافات الاخرى التي ستؤثر بالتأكيد في دراستي»
شروط السلامة
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أعلنت اعتماد نظام التعليم المدمج للعام الدراسي المقبل (2021 – 2020) للجامعات والكليات الحكومية والأهلية، وذلك باعتماد الدراسة الالكترونية للدروس النظرية، وتحديد أيام وأوقات للتطبيقية والعملية في أي جامعة (ذات اختصاص) قرب محل سكناهم جراء الظروف الاستثنائية نتيجة تفشي فيروس كورونا.
وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور نبيل كاظم عبد الصاحب بين في تصريح سابق لـ «الصباح « أنه «بعد مشاورة هيئة الرأي، تم إقرار برنامج عمل الجامعات للدراسات الاولية والعليا للسنة الدراسيَّة (2020 – 2021) بما يضمن انسيابية العمل وفقا للظروف، وفي حال زوال هذا الظرف تتم العودة للدراسة بحضور الطلبة والاساتذة في قاعات الدرس».
وأوضح عبد الصاحب أنَّ «التعليم المدمج هو عبارة عن مزيج من الالكتروني والتقليدي المتعارف عليه من خلال حضور الطلبة، ويكون الالكتروني فقط للمواد الدراسية النظرية، أما الحضور فهو للمواد الدراسية العملية (المختبرية والسريرية) والتطبيقية، واشترط فيه أنْ يكون التواجد بشكل مجاميع صغيرة متناوبة بما يؤمن الاستفادة من الجانب التطبيقي العلمي والعملي، وسلامة المنتسبين كافة من خلال تطبيق شروط لجنة الصحة والسلامة من حيث التباعد ولبس الكمامات والنظارات والكفوف ومواد التعقيم والتعفير لتأمين السلامة المهنية، كما يجب أنْ تقوم الاقسام والفروع العلمية بجدولة المواد الدراسية العلمية (المختبرية والسريرية) والتطبيقية حسب ما تراه مناسباً في الاسبوع الواحد».
 
منصات تعليميَّة
مدير الاعلام والعلاقات العامة في جامعة بغداد الدكتور عادل عبد الرزاق الغريري، أشار الى أنَّ «الجامعات بدأت بالتهيئة للعام الدراسي منذ الآن، وعلى وجه الخصوص الجامعة الأم بغداد، فعلى الرغم من قرارات الوزارة بشأن الآلية الجديدة وهي دمج التعليم الالكتروني والتقليدي، إلا أنَّ الجامعة ارتأت أنْ تقوم بعمليات التعفير والتعقيم ونصب اجهزة خاصة بهذا الموضوع».
لافتاً الى أنَّ «النجاح الذي حققته الجامعات في التعليم الالكتروني واشادة اليونسكو والجهات العلمية بهذا الامر شجع الوزارة على اتخاذ خطوة الدمج، وتدريب الاساتذة على ايدي خبراء بالحاسبات كي يتعاملوا مع الموضوع بسلاسة، فضلا عن وجود المنصات التعليمية التي سهلت الامر اكثر، ومن المتوقع نجاح هذه التجربة الدراسية هذا العام».
طرق التدريس
«لم أشعر بالسعادة والفرح مثلما شعرت بهما عندما تم قبولي في الجامعة التكنولوجية منذ عامين، إذ غادرت محافظتي وانا محمل بالاحلام والافكار الجميلة»، يروي الطالب (م،ز) حكايته قائلاً: «إنَّ مجرد قبولي في هذه الجامعة كان مصدر فخر وسعادة لي، وقد امضيت عامين فيها وانا اجتهد قدر المستطاع،خصوصا ان دراستي في المجال الهندسي، تتطلب الجهد والمثابرة، ولكن اليوم اشعر بالقلق من الآلية الجديدة التي اقرتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وهي النظام المدمج الذي سيفرض علي ان اعود للدراسة في احدى الجامعات بمحافظتي، علما ان دراستهم تختلف كثيرا عما اعتدت عليه».
 
وجهة نظر
شهدت البلاد تظاهرات طلابية وتذبذباً بالدوام الرسمي في الجامعات، ومشكلات اخرى واجهت العام الدراسي المنصرم ابرزها جائحة كورونا ، كل هذه الامور جعلت من طالبة القانون سمر رضا اكثر اصرارا ومتابعة لدروسها ومنهجها الذي لا يخلو من الصعوبة، لذلك تقول سمر :»انا عن نفسي لم اشعر بالقلق من آلية التعليم التي تم الاعلان عنها من قبل الوزارة ، لانني واصلت دراستي منذ بداية العام الدراسي ، ولكن لدي جملة من الملاحظات على طريقة اعتماد التدريس الالكتروني ، منها ان تكون اكثر تنظيما، ففي الايام الماضية التي سبقت الامتحانات النهائية كان الكثير من الاساتذة يضعون اختبارات يومية في ساعات الليل المتأخرة، لكن بالمقابل عانى الكثير من الطلبة من عدم تمكنهم من اداء الاختبارات بسبب انقطاع التيار الكهربائي ولساعات متواصلة، لذلك من المفترض ان يجري تنظيم الدراسة الالكترونية بدقة اكبر وبما يحقق الفائدة المرجوة من آلية التعليم الجديدة تلك».
 
خطوات النجاح
التقارير والدراسات العلمية اشارت الى ان التعليم المدمج ليس وليد اليوم بل هو موجود منذ فترة، ويرحب به المختصون ولكنهم يدعون الى تقنينه وتنظيمه لخدمة الطالب والاستاذ في آن واحد، اذ من الضروري ان يكون هناك ارشاد وتواصل من قبل الاستاذ مع الطالب لشرح الآليات التعليمية، خصوصا اذا كان الامر يتعلق بالبرمجيات والتقنيات الحاسوبية والتكنولوجية المختلفة، ومن الضروري ان يكون هناك عمل تفاعلي جماعي لا يقتصر على طالب واحد فقط، بل اشراك عدد من الطلاب في برامج دراسية الكترونية، فضلا عن ضرورة استعداد الملاك التدريسي لتكرار المادة العلمية اكثر من مرة كي يستوعبها الطالب، و الا يتم التعامل مع الدرس بعجلة وتسرع.
 
ضوابط علميَّة
الأستاذ المساعد في كلية الرافدين الدكتور سامر سعيد يرى بأن الحاسوب قد تكفل بادارة المجالات المختلفة بالحياة، باستثناء الطبية والكيميائية اي ان الطلبة في هذه التخصصات بالتأكيد هم بحاجة الى المختبرات والدروس النظرية المباشرة، في حين من الممكن ان تعتمد المجالات الانسانية كالقانون والجغرافية والتاريخ على التعليم الالكتروني والانترنت. مبيناً أنَّ «موضوع التوأمة بين الجامعات لاسيما طلبة المحافظات الذين من المفترض ان يدرسوا في تلك القريبة من محل سكناهم، لابد ان يكون وفق ضوابط تحقق الفائدة العلمية ، فعلى سبيل المثال هناك اجراء يتبع مع الطالب الذي يرغب بالانتقال من كلية الى اخرى، اذ تقوم اللجنة العلمية في الكلية المختارة باخضاعه (للمقاصة العلمية) أي اجراء اختبار له بالمواد التي تدرس كي يتم قبوله او يرفض».
 
التدريب العملي
الدكتورة سهاد القيسي استاذة في الجامعة المستنصرية قالت: «هناك تخصصات إنسانية ومنها الإعلام تحتاج أنْ يكون الطالب في موقع تدريبي أي مؤسسة اعلامية كي يكون على تماس مباشر مع صناعة الخبر والتحقيق والفنون الصحفية المختلفة، ولكن في ظل الظرف الحالي والخوف من انتشار الوباء قد يفي التعليم الالكتروني بالغرض، على ألا يستعاض به بشكل تام عن التدريب والتعليم المباشر». ولكن من جهة أخرى تجد القيسي أنَّ «الملاكات التدريسية والطلبة على حد سواء بحاجة الى التدريب لتقبل هذه الآلية الجديدة، والتعرف على تجارب الجامعات العالمية الرصينة في استخدام هذه التقنية ومعرفتها بشكل جيد لضمان النجاح».
 
مرحلة حرجة
ويؤكد الدكتور سامر سعيد ان تجربة التعليم الالكتروني التي طبقت هذا العام بسبب انتشار جائحة كورونا كان الهدف منها عدم اضاعة سنة دراسية ، ومنح الطالب فرصة الانتقال الى مرحلة اخرى، لكن بالتأكيد لم يخل الامر من سلبيات لان الطلبة اعتادوا على التواصل المباشر مع الاستاذ في قاعة الدرس والاستفادة اكثر ، اذ بمقدورهم طرح الاسئلة المختلفة والتفاعل لكن الخوف على حياتهم، والحفاظ على سلامتهم هو الاهم في هذه المرحلة الحرجة.