الزمن العراقي المهدور

آراء 2019/01/05
...

جبار عودة الخطاط
سألت مسؤولا إعلاميا في السفارة اليابانية في بيروت عن أهم الأسباب والعوامل التي جعلت التجربة اليابانية الفذة تخرج كالعنقاء من بين أنقاض الحرب وترسم لنفسها مسارا مثل واحدة من أروع التجارب العالمية في الرقي والتطور والبناء فابتسم قائلا: عمدنا الى احترام الوقت واختزال حلقاته المترهلة ما استطعنا الى ذلك سبيلا.. فلا يمكن ان تنجح وانت تهدر الزمن بدم بارد!.. اردف محدثي: الزمن يعني عمر الانسان وعمره هو رأسماله الأول ومن دونه فهو لا شيء!!
تساءلت بعد هذا الحديث المثمر عن استخفافنا الكبير بالزمن واهدارنا له ..في عدة مجالات منها مثلا مراجعة الدوائر والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية وانجاز المعاملات في اروقتها التي تستنزف الكثير والكثير من الزمن العراقي المهدور وهي تعد معضلة لدى الكثير من المواطنين لما تحمله تلك المراجعات من تعب ووقت كبيرين.. البيروقراطية تفرض نفسها هنا وتترك بصماتها المؤذية على نفسية العراقي المغلوب على امره وان وجدت في العراق ثمة دوائر مثل مديرية الاقامة استطاعت ان تتخلص بقدر من براثن تلك الحلقات 
البيروقراطية المستفزة. 
في لبنان وجدت تجربة اجد من الضروري الاشارة اليها ربما تكون مسألة الالتفات اليها فيها شيء من الافادة لنا في العراق .. هنا ثمة مكاتب تنتشر في اغلب شوارع المدن اللبنانية تسمى مكاتب (الليبون بوست).. هذه المكاتب تأخذ على عاتقها استلام المستمسكات والمعاملات من المواطنين والتحرك بها عبر اشخاص مخولين في دوائر الدولة وانجازها بوقت قياسي وباسعار مقبولة جدا وهذا ما لمسته لدى مراجعتي مع زوجتي لتلك المكاتب لانجاز معاملة خاصة بنا.. انجزت المعاملة بوقت قصير وبثمن زهيد لم يتعد الـ 14 الف ليرة لبنانية اي ما يعادل العشرة الاف دينار عراقي.. الجميل بالامر أنهم في مكاتب الليبون بوست يتكفلون بايصال معاملتك المنجزة الى بيتك وهذا ما يفرح حقا..  تمنيت ان تكون لنا في العراق هذا البلد الغني بموارده البشرية والمادية مثل هذه المكاتب التي تمثل حالة حضارية تنهض بمهمة لا يستهان بها وهي قضاء معاملات المواطنين وتجنيبهم شر تلف الاعصاب في زواريب الدوائر ومراجعاتها 
المملة . 
...................... 
صدقوني .. العراقي الذي تلقى ما تلقى من ضيم و(ظلايم) طيلة سنواته العجاف يستحق ان يعيش بشكل أفضل فاذا كان الجهد العراقي قد انتصر في مجال مكافحة تغول الارهاب واذرعه العجيبة في الساحة العراقية فهو يستطيع بالتاكيد ان يعمد الى اجراءات فاعلة لرفع المعاناة عن العراقيين بعد ان هرست اعصابهم زعانف الروتين الكارثي في دوائرنا .. ولعل في القادم من حكومتنا الجديدة ما يرسم لنا أملا واعدا إذا تصالحنا مع الزمن 
لنبدأ ببناء تجربتنا العراقية التي يمكن أن تستفيد من تجربة الأصدقاء اليابانيين وهذا ليس مستحيلا اذا كافحنا الروتين الذي أكل الزمن العراقي 
المذبوح!.