يونس جلوب العراف
في السياسة العامة لبعض الدول العربية ثمة تناقضات كثيرة فهي لا يحكمها الا منطق القوة فالقوي يفرض وجوده على ارض الواقع والجميع يريده ليس حبا بل مهابة ففي العام 2011 كانت الدول الخليجية تتجه الى محاولة الاطاحة بالرئيس السوري بشار الاسد وكانت اولى الخطوات هي جعل مقعد سوريا في الجامعة العربية شاغرا وفي احيان اخرى كان المقعد يشغله مايسمى المعارضة السورية التي كانت مدعومة اميركيا وخليجيا بسبب تحالف الاسد مع ايران لكن الاحوال تغيرت الآن بشكل كبير، ولا سيما بعد ظهور الرئيس السوري خلال السنوات الثمان الماضية قويا وصامدا في مقاتلة الارهاب والقوى الاخرى التي حاولت اسقاطه بدعم من الولايات المتحدة الاميركية لأضعاف حزب الله في لبنان وقطع الامدادات عنه كي يضعف امام اسرائيل من اجل انهاء اخر معقل للمقاومة .
في الوقت الراهن تتجه دول الخليج العربية بحسب صحيفة الغارديان البريطانية نحو إعادة قبول سوريا داخل الجامعة العربية بعد ثماني سنوات من طرد دمشق من المنظمة، بسبب ما اسمته في حينه "قمع النظام الوحشي للمظاهرات السلمية" حيث تؤكد الصحيفة إن الأرجح أن يأخذ الأسد مكانه من جديد بين الزعماء العرب الجدد الأقوياء في العام المقبل، وسيقف إلى جانب الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في لحظة ستعلن حتماً عن موت الربيع العربي، وموت آمال الثورات الشعبية وتقول الصحيفة إن تلك الأوجه الجديدة "سحقت الثورات".
في قراءة للواقع العربي أرى ان عودة الأسد في ظل بن سلمان والسيسي ستكون لحظة فارقة لإعلان موت ما سمي في حينه ثورات الربيع العربي التي لم تكن الا مجرد تغييرات في حكام بعض الدول العربية ولم تحدث اي تغيير ايجابي في حياة الشعوب التي قامت بتلك الثورات ودفعت ثمنا باهضا من الارواح والدماء بل ادخلت بعضها في فوضى عارمة كما حدث في ليبيا واليمن فضلا
عن تغير السياسة الاميركية في المنطقة بعد ذهاب اوباما ومجيء ترامب الى كرسي الرئاسة حيث ان حلب الاموال من الدول الخليجية هي السياسة الامريكية بعد ان كانت لغة السلاح والتهديد هي ما يسود الخطاب السياسي
الأميركي.
صحيح ان سوريا طردت من الجامعة العربية سنة 2011،لكن مع بداية الشهر الاخير من العام 2018 كان الرئيس السوداني عمر البشير أول زعيم عربي يزور سوريا خلال ثماني سنوات، وهي زيارة فسرت على أنها تعبير عن الصداقة باسم المملكة العربية السعودية، التي وطدت علاقاتها مع الخرطوم خلال السنوات الأخيرة، كما أن الزيارة تأتي بعد لقاء قصير بين وزير خارجية البحرين ونظيره السوري، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام وهذه اللقاءات هي بداية التحركات السعودية لإعادة سوريا الى الجامعة العربية ليس حباً بها بل بغضاً بإيران ومحاولة تقليص نفوذها في الشرق الاوسط، إذ إنَّ السعودية والإمارات العربية لجأتا إلى ستراتيجية جديدة مع سوريا لإبعادها عن التأثير الإيراني، مقابل إعادة العلاقات التجارية مع دمشق وإعادة الإعمار التي تقدر بنحو 400 مليار دولار، ولكن لن يرسل سنت واحد إلا إذا التزم الأسد بعملية الأمم المتحدة للسلام ولكن بشروط مخففة حيث يرى محللون قبولاً خليجياً لبقاء الأسد في السلطة مقابل تخليه عن دور الممر الرئيس للسلاح الايراني الى حزب الله المستهدف الاول من هذه الاستراتيجية السعودية كون هذه الاستراتيجية سيكون المستفيد الاول منها هو اسرائيل لاسيما بعد حركات نتنياهو بالتحرك نحو بعض الدول الخليجية علناً
وسراً.
ويبدو أنَّ الدعوات المصرية والخليجية لإعادة سوريا إلى الجامعة دعمها البرلمان العربي المنبثق عن الجامعة بداية شهر كانون الاول رافقتها إشاعات بإعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق، وهي خطوة إذا ما تحققت ستكون كما يبدو قناة خلفية لتقارب الدبلوماسية السعودية أيضاً ولكن بالنسبة للدول الغربية ستبقى سوريا دولة منبوذة، وفي حالة عدم مصالحة مع الاسد،الذي لم يعد مهتماً لذلك لأن أفقه السياسي تضمنه إيران وروسيا، الداعمان الفعليان القويان على جميع المستويات والآن تحاول دول عربية وبالأساس خليجية استرجاع تأثيرها الضائع لكن وبحسب رأيي المتواضع لن تنجح السعودية في استراتيجيتها الجديدة كون الاسد لن يقبل بالعودة الى الجامعة العربية كتابع للسعودية بعد ان وجد ان هزيمة الارهاب في بلده باتت قريبة وان السيطرة على كامل التراب السوري بات في متناول اليد بمساعدة حلفائه الايرانيين والروس الذين ناصروه في اشد الظروف قساوة وحرجا نتيجة كثرة القوى التي كانت تحاربه على امتداد الجبهات.
أما في جانب ما يسمى المعارضة السورية فهي متمسكة بأن يلتزم النظام بعملية السلام الأممية،ويقول أحد أعضاء المعارضة إنه لا ينبغي للنظام السوري أن يستعيد مقعده في الجامعة إلا إذا التزم بالقرار الأممي لسنة 2015، ولكن على حد تعبيره: "الإخوة العرب لا يتصرفون كإخوة" لذلك ستكون هي في جميع الأحوال أكبر الخاسرين على جميع الأصعدة.